-A +A
محمد الساعد
في ساعة متأخرة من مساء يوم العاشر من ديسمبر 2009، أطلعت إيمان بنت أسامة بن لادن ذات السبعة عشر ربيعا، خادمتها الإيرانية التي كانت تتعاطف معها كثيرا، عن رغبتها في العودة لبلادها «السعودية»، إيمان كانت تقيم منذ عدة أعوام، في بيت «أمن» خصصته المخابرات الإيرانية لأسرة بن لادن، إضافة للمئات من قادة القاعدة الهاربين من أفغانستان، بناء على اتفاق مصالح متبادلة، بين إيران وقائد القاعدة أسامة بن لادن.

استطاعت الخادمة، ترتيب خروج إيمان إلى سفارة بلادها في طهران، التي وصلتها بعد عملية تضليل لأجهزة الأمن الإيرانية، المعنية بمراقبة «المضافة»، ولا تسمح لأحد بالدخول أو الخروج منها إلا بموافقتها.


بعد رحلة مرعبة، وصلت إيمان لمجمع السفارة السعودية، كاشفة عن هويتها، ومعلنة عن رغبتها في العودة إلى بلادها، وهي التي لم تولد بها، ولم تعرفها، ولم تتعلم في مدارسها، تولت السفارة الأمر فورا، واتصلت بالجهات المعنية في المملكة.

فما الذي دفع «إيمان»، للعودة لوطنها، رغم كل الدعايات المسمومة ضد بلدها، وكيف اقتنعت الفتاة الصغيرة، أن الخيار السليم، هو العودة إلى موطنها، وأن حكام بلدها، هم ممن لا يأخذون أحدا بجريرة أهله، مهما ولغ في الخصومة والدم، وأن يدهم العطوفة سوف تحتضنها وترعى شأنها.

في 17 / مارس / 2010 كشفت صحيفة الشرق الأوسط، عن مغادرة إيمان بن لادن العاصمة الإيرانية طهران، ووصولها للرياض للعيش مع أسرتها، بعد صدور جواز سفر لها، ووثائق رسمية أخرى.

الأمير محمد بن نايف، قائد الحرب على الإرهاب، ومحطم أصنامه، وفي الوقت نفسه مهندس المناصحة، واحتضان التائبين، ومد يد الدولة الحانية عليهم، هو من كفل أيتام الشهداء، وهو من يكفل أيضا أيتام المخطئين، من أمثال «إيمان».

ليست بنت أسامة بن لادن، سوى قصة أضرار جانبية، من حكايات الإرهاب التي عصفت بالمملكة منذ العام 2003، إلا أن «إستراتيجية الأمن الإنسانية»، التي تبنتها الداخلية، اعتمدت على مبادئ، وضعها الأمير محمد نايف، هي ما حقق هذا النجاح، الذي بسببه تسلم ولي العهد الأمير محمد بن نايف، أعلى نياشين الامتنان من العاصمة الأمريكية واشنطن.

أولها: إن القضاء على الإرهاب هو أمر لا خيارات فيه، ولا مهادنة، ولا مصالحة، لأنه يمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل الدولة وأبنائها وتنميتها وسمعتها، خاصة عندما أكد، أن الدولة ستبقى دولة، ولن تقبل أن يأخذ أحد دورها، مهما بذلت من تضحيات.

ثانيا: الأمير محمد بن نايف تقدم بنفسه، للخطوط الأمامية للحرب على الإرهاب، حتى كادت يد الغدر أن تطاله، إثر محاولة اغتيال فاشلة في قصره بجدة، لقد واجه وفاوض، جنبا إلى جنب، وكتفا بكتف مع جنوده الشجعان.

ثالثا: لقد فرض الإرهاب على «الداخلية» ملاحقة صانعيه، فوق كل أرض وتحت كل سماء، امتدادا لمناطق الصراع والفتن، وإلى العواصم الحاضنة والداعمة، لذلك استطاعت أن تحقق إنجازات كبرى، حمت العالم من حوادث إرهابية شنيعة، بكشفها قبل أن تحدث.

رابعا: قطع الإمداد الذي تتلقاه التنظيمات الإرهابية، خاصة التبرعات المالية غير المشروعة، وغسل الأموال، ومنع الشباب من الاندفاع نحو مناطق الصراع، وكشف الفكر المنحرف المغذي للتطرف والتكفير.

خامسا: لم ينس الأمير محمد بن نايف، خلال قيادته للحرب على الإرهاب، أن يمد غصن الوطن الرحيب، لمن يعلن توبته، ويعود عن طريق الهلاك، من خلال برنامج متقدم لإعادة التأهيل، ولم الشمل، وتقديم المشورة والنصيحة.

لقد استطاع الأمير محمد، أن يثبت عمليا أن الداخلية السعودية تحت قيادته، ومن ورائها الدولة السعودية، هي مشروع إنساني، قبل أن تكون مشروع رصد ومتابعة وملاحقة للمجرمين والخائنين، وأن مخزونها من الحكمة والرحمة، قادر على ان يستوعب «إيمان»، وغيرها ممن وجدوا أنفسهم في مناطق الصراع، بسبب أفعال لم يكونوا طرفا فيها.