-A +A
عبده خال
لانزال وقوفا ضد خطاب الكراهية، وهي الوقفة التي بدأت في الاصطفاف الوطني بعد النتائج الكارثية التي أنتجها ذلك الخطاب، وبما أن بعض أولئك المحرضين أسهموا بصورة فعالة في بث الكراهية ولايزالون يعيشون بيننا بأردية جديدة إلا أن لا أحد منهم اعتذر للوطن أو للأسر التي فقدت أفرادا منها كوقود لذلك الخطاب.

كما لم تتحرك مؤسسات الوطن لإدانتهم إدانة صريحة على الأقل إعلاميا بوضعهم خلف قضبان الإدانة مع مراجعة تلك الخطابات التي قاموا ببثها ومحاكمتهم عليها لأن هناك جرائم لا تسقط بالتقادم.


وفي الندوة التي أقامها معرض الكتاب بالرياض (خطاب الكراهية في شبكات التواصل الاجتماعي) جاءت مداخلات المعقبين متسقة مع هدف المواجهة إلا أن مداخلة الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار الوطني سارت على قضبان تؤدي بعودة العربة إلى نفس النقطة التي غادرتها للتو، فقد طالب بإتاحة الفرصة للطرف الثاني في أن يقول رأيه ومع أن مطالبته غريبة وغير متسقة مع عنوان المحاضرة، فالمحاضرة تتجه للمواجهة بعد أن اكتشفت ضرر ذلك الخطاب وليس لعرض الآراء واستلال الرأي الصائب فقد مضى خطاب الكراهية يعيث فسادا بالمجتمع لأكثر من أربعين عاما فكيف يتم استحضار رموزه في ندوة إدانة، ثم هل فات على المعقب بأن أسود الصحوة لا يمكن لأي واحد منهم الاعتراف بأنه كان مساهما في بث الكراهية، وهل نحن بحاجة لمحاورة ذلك الخطاب مرة أخرى والمطالبة بعودة أسود الصحوة لقيادة المعارك السوداء مرة أخرى؟ ولأن جل المحرضين على الكراهية أناس (برغماتيون) فقد انتقلوا من محطة البث كمحرضين على الكراهية إلى صفوف الداعين للحب بعد أن تركوا خلفهم مجلدات من الكتب لتعليم كيفية صناعة أمصال الكره، ومع أنهم اكتشفوا النتائج الوخيمة لخطاباتهم ارتضوا بالنتائج التي منحتهم مالا وجاها وضحايا ولم يتقدم أحدهم لتبرئة ذمته مما بذر وزرع وحصد، نعم، لم يتقدم أي واحد منهم بالاعتذار، ومع ذلك فإن الرقيب الاجتماعي أو الذاكرة الاجتماعية لن تنسى أولئك الذين أشعلوا حروب الأرض بأجساد أبنائنا وجعلوا من المجتمع أرض معركة لخلق الفرقة بين أطيافه كرها وتحريضا لإسقاط من يختلف معهم.

وبعد أن رسبنا إلى الأذقان في طوفان خطاب الكره تحركت الدولة لإيجاد صمام أمان يقلل من تدفق ذلك الخطاب من خلال هيئة (مكافحة التمييز والكراهية) إلا أن هذه الهيئة تقاعست عن أداء دورها من خلال محدودية جهة الشكوى فمن يتعرض لأي تمييز أو كراهية ليس أمامه سوى التوجه لمدينة الرياض لتقديم شكواه، ومعروف أن مدة التقاضي تحتاج وقتا ومالا، فإذا كان الشاكي من أي منطقة خارج مدينة الرياض فلن يستطيع استكمال شكواه بسبب احتياجه للوقت والمال؛ لذلك يمكن القول إن هيئة مكافحة التمييز والكراهية لم تنهض بدورها.

وأعتقد أن من واجب الدولة افتتاح مكاتب متعددة لهذه الهيئة لكي يكون هناك معنى لمحاربة خطاب الكره ومنعه من مواصلة الانتشار، فإذا كان نص المكافحة يؤكد على أن مثيري الكراهية والعنصرية سوف يقعون تحت لائمة القانون بالحبس والغرامة المالية فهذا يعني أن مرتكب ذلك الفعل أجرم، والجريمة تحتاج إلى محكمة في كل مكان بالبلد.