-A +A
طارق فدعق
ذكر بعض نقاد مقالاتي أنني كمن يكتب في الهواء؛ ولذا فهذا المقال عن الهواء، وسأبدأ بالذكر أن بعض من أهم روائع السفر جوا هي تلك التي نراها من شباك الطائرة. تبدأ «بصحوة» الهواء عندما يمر بسرعة رهيبة ليرفع الطائرة في عملية الإقلاع، ولو تمعنت في تصميم الجناح، فستلاحظ التغير في شكله بسبب منظومة الضغط الهائلة التي تسببها حركة الهواء. تخيل القوة العجيبة التي تستطيع بمشيئة الله أن ترفع الجناح العملاق الذي يصل طوله إلى ما يعادل طول درزن سيارات لاند كروزر، ثم ترفع كامل الطائرة التي قد يصل وزنها إلى ما يعادل حوالى وزن مائتين وخمسين سيارة «كامري» بكل سهولة إلى ارتفاع يعادل ثلث طول المشوار من مطار جدة إلى سوق «قابل» في قلب منطقة البلد. طبعا بما أننا لا نرى الهواء فلا نتخيل خصائصه العجيبة، ولكن لحظة.. لو نظرت من شباك الطائرة بدقة فالغالب أنك سترى أن الهواء حامل ما هو أكبر وأثقل من طائرتك؛ السُحُب هي عبارة عن مياه معلقة في الهواء، يعني كل سحابة هي عبارة عن كمية هائلة من المياه يصل وزنها إلى آلاف الأطنان «متشعبطة» بإرادة الله على الهواء. ومن العجائب أن تركيبة الهواء لم تكن معروفة إلى وقت قريب في تاريخ العلوم عندما قامت مجموعة من العلماء وفي مقدمتهم الإنجليزي «بريسلي» والفرنسي «لافوازييه» بوضع أسس تركيبة الهواء وأن مكوناته الأساسية هي من النيتروجين بنسبة 78% وأوكسجين بنسبة حوالى 21% والباقي «تفاريق» من هنا وهناك.. شوية أرجون، و«رشّة» هيدروجين، و«همسة» هليوم، و«لحسة» ثاني أكسيد الكربون، و«فتافيت» كريبتون، ومياه. ولكن بصراحة عندي عتب كبير على العديد من كتب تاريخ العلوم حول العالم لأنها لا تعطي حقائق التاريخ حقها. وتحديدا فهي تهمل أعمال العالم الإسلامي الفذ «أبو الحسن ابن الهيثم» الذي وضع لمساته قبل علماء الغرب، وأبدع في مجالات كثيرة ومنها في خصائص الهواء. تخيلوا أن هذا العالم الفذ الذي عاش في البصرة ثم القاهرة في الفترة 354 إلى 430 هـ كان له العديد من الاكتشافات في مجال البصريات وهي مصدر شهرته الأساسية. ومن أروع بصماته هي وضع الأسلوب العلمي في البحث الذي كان مفقودا بالكامل قبل أعماله؛ يعني وضع ابن الهيثم آلية البراهين المبنية على التجارب بدلا من «الجرجر» و«الهرج» لا مؤاخذة. وأما أحد إنجازاته الرائعة الأخرى فكانت أبحاثه في خصائص الهواء وكانت كثيرة. ولكن أجملها على الإطلاق كان اكتشافه لسُمك الغلاف الجوي. قدر ذلك الارتفاع بالحسابات وقياس خصائص الأجواء بحوالى 80 كيلومترا. واليوم نعرف أن الرقم الصحيح لسمك الغلاف الأوسط (الميزوسفير) mesosphere هو 78 كيلومترا. وتم قياس ذلك بمعدات غاية في التعقيد وشغل وكالات الفضاء من حول العالم. ولو قارنها بما كان متاحا لابن الهيثم قبل ألف سنة فسنحسب أن عمله أقرب إلى السحر. وللعلم فهناك طبقات أخرى فوق هذا الغلاف، ولكن معظم الهواء يقع تحت الحد الذي اكتشفه ابن الهيثم الرائع.

أمنيـــــــة:


أتمنى أن ننظر إلى النعم حولنا بعيون تقدر نعم الله علينا. ونعمة الهواء هي من أروع النعم، وللأسف أن هناك من لا يقدرها، وهناك طبعا من يعيش في طبقات الهواء المعروفة باسم «الطراوة» وهذا موضوع مقال قادم بمشيئة الله.

وهو من وراء القصد.