-A +A
خالد عباس طاشكندي
@khalid_tashkndi

كل ما يشاع حول أن توزيع الصحف الورقية يتراجع بسبب انتشار التقنية التي بدورها غيرت أنماط القراءة التقليدية، على الأرجح أنه غير صحيح، فربما ينطبق هذا الأمر نوعاً ما على الغرب بحسب عدد من الدراسات والمؤشرات التي تدل على ذلك، أما بالنسبة إلينا على الصعيد المحلي فالأسباب قد تكون مختلفة تماماً، وهذا ما أثبته عملياً الخبر الذي نشرته صحيفة الوطن الجمعة الماضية على صفحتها الأولى ويحمل العنوان التالي: «الدفاع (المندي) يستفز المديرية»، وأثيرت حوله عاصفة من الانتقادات اللاذعة والتهكم والسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره خطأً إملائياً وقعت فيه الصحيفة!


وبالرغم أن قصاصة الخبر المتداولة على مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة يتضح فيها أن العنوان العريض للخبر ذُيَّل بملخص من خمسة أسطر أسفل العنوان «مباشرة» ويوضح فيه سبب التسمية، لم يكلف أياً من هؤلاء المتهكمين على «تويتر» والمواقع الأخرى نفسه بقراءة نص الخبر، والذي يوضح فيه أن المتحدث الرسمي للمديرية العامة للدفاع المدني العقيد عبدالله الحارثي قال في تصريحات إعلامية إنه يستنكر محاولات البعض الانتقاص من جهود الجهاز وإطلاق مسميات ظالمة عليه مثل «الدفاع المندي»، والمؤسف أن مئات المغردين وربما الآلاف ومن بينهم شخصيات اجتماعية معروفة ونجوم في السوشيال ميديا لديهم آلاف المتابعين، تناقلوا عن جهالة القصاصة وعلقوا عليها بسخرية معتقدين أن العنوان به «خطأ مطبعي»، لتنقلب السخرية عليهم.

واقعة كهذه تعطي دلالة واضحة على أن مستوى القراءة في مجتمعنا متجه نحو الحضيض، وهذا بالتأكيد نتاج لنظام تعليمي مهترئ وبيئة طاردة للقراءة والثقافة العامة، فبالرغم أنه ليس أمامنا دراسات محلية تؤكد هذه الادعاءات أو تدحضها وذلك لعدم وجود مراكز فكر وطنية (Think Tanks) لدراسة هذه الظواهر المجتمعية وغياب شبه تام لدور الأبحاث والكراسي العلمية في الجامعات ذات النتاج المحدود وغير الفاعل، إلا أن الأحداث والوقائع تشير إلى هذا الواقع المرير، وهو أن لدينا مستويات قراءة متدنية جداً بالتأكيد.

ومن يزعم أن أنماط القراءة في مجتمعنا تغيرت كما في الغرب نحو القراءة الإلكترونية للكتب والمجلات والصحف، فهذا الكلام غير دقيق، لأن هناك معلومات وتقارير خاصة تشير إلى أن متوسط معدل المدة الزمنية التي يقضيها متصفحو مواقع الصحف الالكترونية المحلية يشهد انخفاضاً تدريجياً في السنوات الأربعة الأخيرة من 5 دقائق كان يقضيها المتصفح للموقع الواحد إلى أقل من دقيقتين فقط، أما في الغرب فالنتائج مختلفة تماماً على جميع الأصعدة، فتلك المجتمعات تقرأ بكل الوسائل الممكنة، حيث ارتفعت مبيعات الكتب في بريطانيا العام الماضي الى نحو 1.6 مليار جنيه إسترليني بزيادة 5 % تقريباً على حجمها في عام 2015، بحسب أحدث الأرقام التي نُشرت عن المبيعات السنوية بالتجزئة، كما بلغت مبيعات الكتب في الولايات المتحدة 27.7 مليار دولار عام 2015، وسجل عدد الكتب المباعة ازديادا طفيفا على العام الأسبق بنسبة 0.5% ليصل إلى 2.71 مليار نسخة بحسب ما أكدته جمعية الناشرين الأمريكية، بينما لدينا انخفض زوار معرض الكتاب الدولي في جدة للعام 2016 قرابة 50% عن العام السابق.

الحقيقة الواضحة أمامنا بالرغم من انعدام الدراسات الاجتماعية الوطنية، هي أن هناك مؤشرات خطيرة على أننا مجتمع يشهد على الأرجح معدلات متدنية في مستويات القراءة، وإذا قسنا الأمر على واقعة عنوان الخبر المذكور في مقدمة المقال، فهذا أحد المؤشرات على أننا اقتربنا من مرحلة التصحر الثقافي، وسبب كثافة تواجدنا في مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً في استخدام شبكة «تويتر» التي حققنا فيها صدارة العالم بنسبة 41% من إجمالي مستخدمي الإنترنت في المملكة، متفوقين فيها على الولايات المتحدة البلد المنشأ لهذه الشبكة العالمية والتي بلغ فيها مستخدمو هذه الشبكة نسبة 23 % من إجمالي مستخدمي الإنترنت في أمريكا، فهذا مؤشر على أننا نبحث عن المعلومات المختصرة والبسيطة ولا نتعمق في القراءة والاطلاع.

عواقب هذه الظاهرة على المجتمع لا شك أنها ستكون وخيمة وكارثية في المستقبل القريب، فالأرجح أن شريحة مجتمعية كبيرة لم تغير أنماط القراءة والاطلاع بل تراجعت في القراءة بشتى أشكالها التقليدية أو الرقمية، وفي ظل غياب أو شح الدراسات سنمضي نحو المجهول، وكما تقول الحكمة «من ينطلق نحو المجهول عليه الرضا بالمغامرة وحيداً».

ktashkandi@okaz.com.sa