يحيى توفيق
يحيى توفيق
-A +A
علي الرباعي (الباحة)
Al_robai@

على إيقاع أسلافه العشاق العرب، تراقصت غيوم كلماته في سماء الإبداع، وهطلت ديم النشيد من الوريد، فنبتت سنابل لغته الشعرية، وتسامقت بكبرياء، دون أن تخلع تاج الجمال عن رأسها. عبر يحيى توفيق حسن بنا محطات وخلّف في (أودية الضياع) ربيعاً غير قابل للجدب، إذ إن قلب الشاعر الأنيق متعطّش للحب ومنتهل منه وراو له (تدنو تهدهدها أنّاتُ قيثاري. وتستفيق على أهداب أشعاري، إني أحبك حباً شاع في خلدي. حتى سكنتُكِ واستوطنتِ أفكاري) حقول توفيق مفتوحة على كل الجهات القابلة للعاطفة الجياشة. وكتابته شفيفة، إذ في مجاميعه تقرأ ملامح وشواهد من عاش الحب وعايشه ليرويه دون أن يرهق نفسه كثيراً بالتفكير في تقديم نفسه مهذّباً الكثير من نرجسيته الأصيلة. ولن تنسى أجيال عدة رائعته (سمراء رقي للعليل الباكي. وترفقي بفتى مناه رضاك)، ومن سافر مع سيرته الشعرية (حبيبتي أنت، وما بعد الرحيل، وافترقنا يا زمن) يلحظ أن الهوية الشعرية لتوفيق إنسانية صرفة. واللغة تصالحية لا تحتمل الإيغال في البلاغات ومجازاتها. ولطالما نجح في توظيفها لتعبر عن ذاته على هواه. ويمكن تصنيفه في خانة المكافحين للقبح بالجمال، والمجابهين الكراهية بالمزيد من الحب. ويتميز بالثراء التعبيري من خلال منهج كلاسيكي مألوف ومتناغم مع الذائقة العامة دون غموض ولا التفات للمسكوت عنه. ولعل غوايته تكمن في بساطته وتدوين عواطفنا اليومية بلغة راقية بعيدة عن الإسفاف والابتذال وكأنما أراد أن يقول بالحب وحده يستحيل الشعر إلى عزاء. وباللغة نرسم مسار سلام مع النفس والآخرين. ومن خلال قصائد بلغت شهرتها الآفاق ليس آخرها مناجاته الرسول عليه السلام في نص (عليك سلام الله) ترتسم شفافية العلاقة بين الذات والموضوع وتذوب الحواجز بين العاشق ومفرداته حتى كأن التوله بالكلمات يوميات كالقوت والماء يعبر بها الشاعر عن عشقه القوي الضعيف، الجسور الخائف، دون إفراط في هجاء المعشوق وإن تسرّبت منه الكثير من إنسانيته فالشاعر توفيق لا يجيد البطش ولا الانتقام ليحتفظ بصورته النقية في ذاكرة قارئه. ربما لم تنل تجربة الشاعر ما تستحق من تلمس مكامن الجمال وعناية بمظان الدهشة بحكم زهده في الأضواء، وميله للعزلة وازدحام المشهد بأصوات وصور وفضاءآت تدفع بالشعر أحياناً إلى ذيل الاهتمامات. إلا أن توفيق غير صاخب ولا عاتب وإن تألم في ذاته من جحود ربما غير مقصود. ومن خلال مهاتفة قصيرة شعرت أن روحه الخلاقة المبدعة لا تحمل إلا الود والتسامح والبعد عن المنازلات المجانية، فالضحكة المجلجلة توحي بأن هذا الرجل ترفع عن كل الضغائن والأحقاد وخبر المسافة بين الماضي والحاضر. وفهم ماذا يريد العصر وماذا يراد به وله.