-A +A
عبدالله صادق دحلان
الفساد أصبح سمة من سمات الإدارة والتعامل في مجتمعات الدول النامية ويعتقد البعض أن الفساد يقصد به الفساد المالي فقط وهو تعريف قاصر، فالفساد أنواع متعددة منها الفساد المالي وله أوجه متعددة منها عمولات ترسية المشاريع أو تسليمها أو إتاوات إنجاز المعاملات وتجاوز الأنظمة واللوائح وهذا النوع هو الأكثر بروزا وظهورا وأثرا سلبيا على المجتمعات والاقتصادات، ولكن أنواع الفساد الأخرى أيضا عديدة منها الوساطة والمحاباة في الاختيار عند التعيين في بعض الوظائف يؤدي في النهاية إلى وضع الرجل غير المناسب في المناصب القيادية، ويعتمد في الاختيار على اعتبارات تكون أحيانا شخصية أو انتماءات عائلية أو قبلية أو جغرافية أو ارتباط مصالح شخصية، ويعتبر هذا النوع من الفساد شائعاً في الدول النامية والتي منها دول الخليج والدول العربية وهو يسبب أضراراً جسيمة في الهيكل الإداري في الدولة، وهناك فساد في بعض الشركات البنكية يتمثل في سيطرة بعض أصحاب الملكية بالحصص في تعيين القيادات البنكية أو التأثير في التعيين في مجالس الإدارة، وممارسة الضغوط أحيانا لتمويل مشاريع معينة دون غيرها، والفساد يكون أحيانا في اتخاذ القرارات غير المدروسة أو المستعجلة والتي تكون نتائجها سلبية على بعض المشاريع أو الخدمات ويكون أثرها السلبي ماليا وبيئيا مباشرا وغير مباشر مثل بناء بعض المشاريع في مواقع لها آثار سيئة على البيئة أو على المجتمعات المحيطة مثل بناء محطات التحلية أو مصانع الأسمنت أو مصافي تكرير البترول أو محطات تنقية المياه أو محطات توليد الطاقة الكهربائية، وفي الغالب يكون أثر العوادم البخارية على بيئة وصحة المجتمع المحيط.

ومن أنواع الفساد التصرف بالملكية العامة بالبيع أو الإيجار بأسعار تعتبر خسارة على اقتصاد الوطن مثل قرار بيع أحد المصافي البترولية في المملكة بسعر لا يمكن قبوله حتى لو كان الأفضل أمام العروض المقدمة، ثم إعادة بيع ثلث المصفاة من المشتري الجديد لشركات عالمية بعشرة أضعاف سعر البيع بالكامل، ورغم تناول بعض المحللين الاقتصاديين هذه الصفقة بالتحليل والانتقاد منطلقا من حرصهم على المال العام إلا أنه لم يتبن ممثل رسمي الإجابة عن هذه الانتقادات.


ومن أنواع الفساد في الاستثمار تأجير بعض الأراضي الحكومية لإحدى الشركات بغرض استثمار تلك الأراضي واستخراج بعض المعادن منها وتصنيعها وذلك بسعر إيجار زهيد لفترة امتياز سنوات طويلة قام بعدها المستثمر بإعادة تأجير الامتياز لشركات عالمية بآلاف الملايين لاستثمارها واستخراج الذهب منها وتصنيعه وتصديره، وأخيرا يتم اكتشافه من المتابعين والمحللين الاقتصاديين وترفض وكالة هذه الجهات الحكومية هذا الفساد معترضة على الإجراء، ولكن يظل السؤال أين ذهبت أموال الصفقات ومن المسؤول؟.

أما فساد الشركات المساهمة فقد تابعته وراقبته أنظمة الحوكمة بعد أن كان الفساد واضحا وجليا في بعض الشركات المساهمة وعلى وجه الخصوص في طريقة تقييم سعر الأسهم المطروحة وقيمة علاوة الإصدار، وإخفاء بعض من المعلومات المهمة لحملة الأسهم والتلاعب بسوق الأسهم بالشراء أو البيع من قبل بعض المؤسسين أو المضاربين بطريقة غير مباشرة أو بدعم معلوماتي من بعض أعضاء مجالس الإدارات، ولو جاز لي الاقتراح لطلبت إعادة فتح ملفات بعض الشركات التي أسسها أصحابها بشيكات دفعت رأس مالها وأودع في البنوك لمدة أيام ثم سحبت الأموال بعد الحصول على الرخصة.

أما الفساد الأخلاقي فهو أنواع عديدة منها من يأمرون الناس بالخلق الرفيع والمثاليات والالتزام بالكتاب والسنة ويأتون بعكس ذلك، فكم من الأشخاص كتبوا ضد الخمر والميسر ووجدناهم من المتعاملين به، وكم من الرجال من يحثنا بالرفق بالمرأة وهو أسوأ من يعامل المرأة. أما فساد المظهر فهو يظهر المحاسن ويبطن المساوئ. وكما أسلفت إن التركيز على الفساد المالي فقط لا يعطينا الصورة الحقيقية للفساد.

إن محاربة الفساد ينبغي أن لا يركز على الفساد المالي فقط، إن فساد القرارات أو الخطط غير الناجحة وغير الملائمة والتي تؤدي إلى خسارة الأوطان من الواجب محاسبة الذين أعدوها واقتنعوا بها وأقنعونا بها وكانت النتيجة سلبية، فكم من مشاريع صرفنا عليها البلايين ثم اكتشفنا أنها غير ملائمة أو مجدية، وكم من قرارات أو تنظيمات أصدرتها بعض الإدارات واكتشفنا أنها زادت من كراهية وغضب المواطنين ووترت العلاقة بين الطرفين.

وأخيرا لا أبرئ القطاع الخاص من الفساد المالي فهو الشريك الأساسي ولا مبرر له حتى لو كانت شماعته الرغبة في إنجاز أعماله بأي طرق ولا بديل له. وإن جاز لي الاقتراح آمل أن لا يكون دور هيئة الفساد فقط الفساد المالي وإنما يدخل في تخصصها جميع أنواع الفساد المذكورة.

* كاتب اقتصادي سعودي