-A +A
سعيد السريحي
من أعجب الوثائق التي تطلب من النساء الأرامل والمطلقات وكبار السن وثيقة «إثبات الحياة» التي تضمن استمرار ما يتلقينه من إعانة أو معاش تقاعدي، وإثبات الحياة لا بد لها أن تكون وثيقة رسمية مختومة لا تغني عنها أي وثيقة أخرى كما لا يغني عنها حضور هؤلاء الأرامل والمطلقات إلى مصلحة التقاعد ومكاتب الضمان، حتى ولو حضرن عدوا أو صرخن بملء أفواههن: والله العظيم إحنا لسه ما متنا.

وبصرف النظر عن الروح البيروقراطية التي تشترط مثل هذه الوثيقة وما تضطر إليه المحتاجات إلى مشقة استخراجها فإن الفكرة في حد ذاتها لا تخلو من عبقرية فيما لو وسعنا دائرتها وجعلنا إثبات الحياة شرطا ملزما لكثير من اللجان والهيئات والمؤسسات التي سمعنا بولادتها وشاركنا في حفل تسمياتها ورقصنا في عرس تدشينها ثم لم نعد نسمع عنها شيئا ولا نجد لها أثرا ولا نعلم هل ما زالت حية ترزق أم تولاها الله برحمته وماتت وحيدة بائسة لا يعلم الذين شهدوا ولادتها وباركوا تسميتها بموتها وفاتهم تقديم واجب العزاء فيها.


ووثيقة «إثبات الحياة» مطلوبة كذلك لكثير من المشاريع التي شهدنا إقرارها وسمعنا عن رصد ميزانياتها وفرحنا بإعلان البدء فيها ثم توقفت أو تعطلت وذهبت بنا الظنون إلى أنها ماتت ولم تبق منها غير جثث تشهد على بدايات لم تكتب لها الحياة، ولكي لا يركن المواطنون إلى اليأس الذي هو أحد الراحتين فإن بقاء تلك المشاريع يحتاج إلى وثيقة إثبات الحياة كذلك.

لما كان المجال لا يتسع لذكر تلك المؤسسات والهيئات أو تسمية تلك المشاريع فإني أدع ذلك للقراء الذين كانوا شهودا على ولادة تلك المؤسسات والهيئات والمشاريع وأصبحوا بحاجة إلى الاطلاع على ما يثبت أنها لا تزال حية ترزق.