-A +A
خالد صالح الفاضلي
قالت عمة الشاعر عبدالرحمن الأبنودي له في وصف أوجاع الدنيا (أوعرهم لو حتعيش/‏ بعد عيالك ماتموت/‏ ساعتها بس../‏ حاتعرف إيه هوّه الموت.!!)

هذا وجع تعرفه أكثر أمهات الشهداء، اللواتي تمنعهن نشرات الأخبار اليومية من نسيان مرارة الخبر، وعجز الصبر عن الربط على قلوبهن، لذلك فالوجع يتجدد كل يوم، بينما العزاء ثلاثة أيام وانتهت.


لذلك، فإن تأسيس ناد لأمهات الشهداء قد يكون فكرة حضارية، تعزز زواياه فكرة استمرارية حياة الأبناء بمسار معاكس لكل محاولات الأسرة بدفعهن نحو نسيان.

لماذا نطالب أمهات الشهداء بالنسيان؟ ونحاول بأيدينا خنق مشروع يعزز مفاهيم وطنية متعددة، طالما لا يزال الخندق مكتظا برجال يحاربون الإرهاب، وكلاب تنبح على حدودنا، فعدد الشهداء مرشح للزيادة.

أعتقد أن الدولة مسؤولة عن تحقيق كل جهد مالي، معنوي، وتطوير لحياة أسرة الشهيد فيما لو - كتب الله له حياة إلى سن التقاعد - تحديداً لأمه، وأخواته الأصغر، ويشمل ذلك أولاده، وبناته، حتى وعوده لهم - قبل موته - قابلة للتنفيذ، بغض النظر عن احتمال قدرته على تنفيذها من عدمه.

إذا وعد شهيد أمه بشراء بيت، فإن تحقيق وعده واجب وطني، وكذلك لزوجته، وإخوته، وأولاده، فشهادة أحدهم ليست لها علاقة فقط بغياب الجسد، بل غياب كل الوعود الصادقة، وهذا ألم داخل الألم.

ربما يحتوي نادي أمهات الشهداء على فلسفة رعوية يقوم بها فريق متخصص بالدعم النفسي، وتحقيق صغائر رغبات الأم - وكأن ابنها لا يزال على قيد الحياة - من إعادة تعبئة أنبوبة غاز، شراء الدواء، إلى مساعدتها على أداء حج وعمرة.

ما أود قوله، يستحيل علينا إعادة الشهيد جسدياً، لكن لا يصعب علينا تنفيذ مهمات كان يقوم بها - أو سيقوم بها - لو استمرت به الحياة، فمن فقدت ولداً لن يصعب علينا وضع (عشرة أولاد) في خدمتها.

أتمنى نقل (وسام أم شهيد) من حالة معنوية، ومعونات نقدية، إلى سلسلة من الخدمات العملية الدائمة، خاصة لأمهات شهداء لم ينلن حظ حيازة حفيد يقوم بالمهمة نيابة عن والده.

لربما ثمة شهيد كان وحيد أمه، قيل لها كلنا أولادك، لكن لم تعد تسمع صوتا يهاتفها (يمه أنا في الطريق لك، تحتاجين شيء من البقالة؟)، أو يشاركها أحدنا وجبة غداء، أو يأخذها في جولة أثناء هطول مطر، فالمطر أيضاً (ينكش) جراح الثكالى.

يتولى نادي أمهات الشهداء - كما أتصوره - سد فراغ مالي ومعنوي تركه الشهيد، ويكون من مهماته تذكير الوطن كافة أن دم الشهيد لا يبرد إلا بعد إبادة سبب شهادته، والخروج بالوطن إلى حالة سلم وسلام، وأن قلب أمه لن يرتاح إلا إذا تأكدت - بالفعل وليس القول - أننا جميعاً أولادها.

jeddah9000@hotmail.comm