-A +A
محمد الساعد
يقول مصدر في شركة سينما البحرين، إن السعوديين يشترون عبر «الاون لاين»، ما يزيد على أربعة ملايين تذكرة سنويا، من حجم خمسة ملايين تبيعها الشركة عبر منافذها، مستدركا، أن ذلك يتم بمختلف القنوات الإلكترونية، ويتثبت منها من خلال معرفة مصدر بطاقة «الكريدت كارد»، ومواقع أوامر الشراء، القادمة بالطبع من مدن سعودية.

مشيرا إلى أن السعوديين يبتاعون تذاكرهم قبل وصولهم المنامة، لأنهم يأتون كعائلات ومجموعات، وبالتالي يتأكدون من حجز أفلامهم ومقاعدهم، مع ملاحظة، أن هناك الكثير منهم يشترون من الشبابيك مباشرة، بعد وصولهم لمملكة البحرين، أي أن العدد ربما يتجاوز ذلك بكثير.


يا له من خبر مثير، لكنه بالتأكيد غير مفاجئ أبدا، فهو يؤكد الأرقام المنشورة، عن تقاطر ملايين السعوديين سنويا للبحرين، يذهبون في أغلبهم للترفيه، بحثا عن المتع البريئة، ومنها حضور فنون السينما.

نحن نتحدث هنا عن البحرين فقط، فكم هي الملايين الأخرى، من السعوديين، الذين يتكبدون مشاق السفر، والتكاليف العالية، في طريقهم لدبي والكويت، والقاهرة، وبقية عواصم الترفيه، بحثا عن «حياة» لهم ولأسرهم.

لعل من المفارقات المضحكة، أن السعوديين يدفعون أغلى تذكرة سينما في العالم، فالتذكرة يضاف عليها قيمة التنقل، والطيران، والسكن، والطعام، انتهاء إلى صالة السينما، فإذا كان المشاهد حول العالم، يدفع عشرة دولارات ثمنا للدخول، فمواطننا الغلبان، يدفع آلاف الدولارات لمشاهدة فيلم واحد.

علاقة السعوديين بالسينما، وجدانية وعاطفية جدا، مليئة بالحرمان، وتكبد المشاق للوصول إليها، فقد عرفوها في وقت مبكر، مع دخول شركة الزيت العربية «أرامكو»، إلى الحياة العامة، في الأربعينات من القرن الماضي، منشئة دورا للسينما داخل مرافقها، خدمة لموظفيها وعائلاتهم.

ثم تمددت تلك الثقافة للمدن السعودية الأخرى، خاصة الرياض والدمام وجدة والطائف، ووصل عدد صالات السينما للعشرات، منها الحديث، ومنها البسيط، بل كانت في طريقها للتحول لصناعة متكاملة، تغذيها استثمارات، وعوائد مجزية.

احتضنت السينما بعض العائلات التجارية، التي تخصصت في ذلك النشاط، وأنشئت صالات على الطرز العالمية، خاصة في جدة، إضافة لبعض الأندية الرياضية الشهيرة، التي حققت موردا ماليا مهما لها.

كان ذلك تاريخ الانتشار، أما المغادرة المؤسفة، فتعود لبداية الثمانينات الميلادية، مع خضوع المجتمع واستسلامه للاختطاف الحركي، وتخليه عن أحلامه الحضارية، التي كان قد أنجز واجباتها، وهضمها قبولا وتعودا، طوال عقود.

تقويض السينما من الحياة العامة، لم يكن خيار الناس، بل كان تماشيا مع التغير في النظرة للمختلف عليه، والنأي عن احترام خيارات الناس، المواطن لم يستسلم، بل وجد حلولا عابرة للحدود، وذهب إليها في الخارج، ما يعني تبديل الأقنعة، مع كل تحرك جغرافي.

السؤال هنا، كيف تعود مرة أخرى، كل المؤشرات تؤكد أن المجتمع يرغب بشدة في رؤية السينما في مدنه، لكن ذلك يتطلب حلولا مبتكرة، تكون قادرة على استيعاب كل الاشتراطات، وخلق مقاربات توافقية، منها النظر إلى تجارب قريبة منا، فقطر والبحرين والكويت، لديها تجارب ثرية، ملبية كل المعايير، يمكن الاستفادة منها للعبور الآمن لعالم السينما.