-A +A
محمد أحمد الحساني
عرفت الكاتب الصحفي محمد مسلم الفايدي -رحمه الله- قبل ما زيد على أربعة عقود عندما ترك عمله الرسمي في إدارة مكافحة الجراد التابعة لوزارة الزراعة ليتجه نحو الصحافة، وعلمت منه أن تعليمه لم يتجاوز المرحلة الابتدائية، ولكنه ثقّف نفسه بالاطلاع والقراءة حتى تمكن من الكلمة والحرف ومارس العمل الصحفي بداية في هذه الجريدة «عكاظ»، وكان حسب علمي أول صحفي محلي قام بتحقيقات صحفية «تقمص» من خلالها شخصيات بسيطة؛ مثل مهنة سائق سيارة أجرة أو ساعي بريد أو معقب معاملات أو متسول -إن كان التسول مهنة- ليكشف من خلال تحقيقاته تلك عن أسرار في قاع المجتمع قد تغيب تفاصيلها عن معظم أفراده المنغمسين في تفاصيل أكبر، إضافة إلى تحقيقات صحفية جريئة تكشف قصور جهات خدمية، وكان يشجعه على تلك الأعمال الصحفية المدير العام للصحيفة الأستاذ علي شبكشي -رحمه الله- وكان الدافع للفايدي للقيام بها روح الصحفي المتوقد، أما الشبكشي فقد تكون له دوافع أخرى.

وعندما أنشأ الدكتور عبدالله مناع مجلة إقرأ في منتصف التسعينات جذب إليها الفايدي ضمن أسماء صحفية صاعدة بقوة في حينه؛ منهم عمر يحيى وأحمد اليوسف ومحمد عبدالستار وعبدالله باخشوين وخالد باطرفي وأيمن حبيب الذي جاء مع هاشم عبده هاشم الذي تولى منصب مدير التحرير للمجلة، وغيرهم من الأسماء الصاعدة، فعاشت المجلة تحت قيادة المناع أزهى مراحلها وأعوامها وكان الفايدي أحد فرسانها البارزين.


فلما أقيل المناع عام 1407هـ، ترك معظم تلك الأسماء مجلة إقرأ فلم تقم بعدهم لها قائمة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، على الرغم من تولي رئاسة تحريرها من قبل أسماء صحفية بارزة مثل الأساتذة أسامة السباعي ومحمد صادق دياب ويحيى باجنيد.

أما الفايدي فقد فضل الانزواء والاكتفاء بمشاركة أهل الصحافة والثقافة من خلال مجالسهم، وإن كانت له فترات من الحيوية الصحفية مارس خلالها الكتابة في الوطن و«عكاظ» وغيرهما، حيث جمع بعض مقالاته في كتاب أصدره تحت عنوان «شيء من حتى»، وأذكر أن الكاتب القدير الأستاذ عبدالله باجبير كتب ذات مرة في عاموده اليومي بالشرق الأوسط مبدياً إعجابه بالصور الاجتماعية والإنسانية التي تختزنها مقالات الفايدي، وأنها لا تقل عن الصور المكنونة في بعض الروايات العالمية.

رحم الله الصديق الوفي والصحفي النقي محمد الفايدي، فقد كان يمثل ظاهرة صحفية يجسد العصامية في أصدق صورها الثقافية والاجتماعية.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

mohammed.ahmad568@gmail.com