-A +A
عبدالمحسن هلال
شهدت الساحة العربية خلال الأسابيع الماضية قصتين لسيدتين ضربتا أروع المثل في الكرامة والشجاعة وجهاد النفس، الذي هو الجهاد الأكبر، والتمسك بقول الحق أمام سلطان جائر. السيدة الأولى الأردنية ريما خلف التي أصرت على صحة تقريرها الأممي باعتبار (إسرائيل) كيانا عنصريا، وكلفها موقفها الشجاع منصبها كمساعد للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بعد أن أبت وبشمم، الانحناء أمام سلطان أمين عام المنظمة الذي طالبها بسحب التقرير، أو أمام ضغوط الدول الكبرى أعضاء مجلس الأمن. في لحظات إنسانية نادرة كهذه يسجل التاريخ أفضل ما في الإنسان، مناهضة الظلم ونشدان العدل، وتلك لعمري من مكارم الأخلاق. رفضت المرأة ريما خلف، معتبرة التضحية بالمنصب ثمنا لنصاعة موقفها، وقبل الرجل أنطونيو غوتيريش معتبرا المنصب ثمنا لنضاله السابق، وأحجم عن المزيد، كي لا يسقط الرجل أكثر من أعين خدعت فيه.

السيدة الأخرى سيدة الأعمال منى الخطيب، فلسطينية الأصل كندية الجنسية، تروي أنها ذهبت وزوجها إلى فلسطين المحتلة في زيارة عمل ولقاء بالأهل، اجتمعت وزوجها بشخصية مهمة في السلطة الفلسطينية ترافقه زوجته على غداء عمل، بهدف بيع برامج كمبيوتر للسلطة تنتجها شركتهما الكندية، واتفقا على سعر محدد. قبل التوقيع اقترحت زوجة المسؤول مضاعفة السعر في الفاتورة، وأن يكون الفارق عمولة لها وزوجها، رفضت السيدة الخطيب، فسقطت الصفقة أمام سلطان الفساد والرشوة المتفشي، وقررت حال رجوعها لكندا الكتابة للحكومة الكندية لتبين أين تذهب المساعدات التي يدفعها المواطن الكندي من جيبه، وهو ما فعلت ونشرته لها صحف كندا، فهل «ستتبين» بقية صحف العالم أين تذهب تبرعات مواطنيها. وهو سؤال تفرض مشروعيته مقارنة حجم وقيمة الإعانات التي تتلقاها السلطة الفلسطينية سنويا بحجم معاناة أهلنا في الضفة، درجة توقف صرف رواتب بعض الموظفين فما بالكم والبطالة متفشية. هذا ليس اتهاما لأحد، وقد تقابل رواية السيدة الخطيب روايات أخرى معاكسة، إلا أنه يتوجب الحذر، الفساد يوجد بكل مجتمع، لكنه في الحالة الفلسطينية غير، وأحجم أيضا عن الاسترسال.


***

لا شك أن الموت حق، غير أن هذا لا يمنع العين أن تدمع والقلب أن يحزن لفراق الأحبة، وقد فجعت الساحة الثقافية، وخلال أيام قلائل، بانطفاء ثلاث شموع مضيئة. لم نفق من ألم غياب حبيبنا محمد الفايدي، أستاذ القلم الشفاف والقلب المثقل بهموم مواطنيه، وصاحب أجرأ التحقيقات الصحفية، حتى صدعنا بخبر وفاة أستاذ المقالة الساخرة وشاعر الحرف المرهف ثامر الميمان، ثم جاءت ثالثة الأثافي بانتقال الأستاذ الدكتور غازي مدني إلى رحمة الله، والسيد يعتبر أستاذ أجيال سواء كان أكاديميا وإداريا بالجامعة، أو رئيسا لمؤسسة صحفية كبرى. رحم الله ثلاثتهم وجميع موتى المسلمين، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم أهلهم ومحبيهم الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.