-A +A
عبدالله عمر خياط
.. في محكم التنزيل يقول رب العزة والجلال بسورة الأنفال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} غير أن من المهم أن يؤخذ بعين الاعتبار قول الحق سبحانه وتعالى بسورة النساء: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.

وليس ذلك فحسب بل إن الأهم أن لا يعتمد كائناً من كان على نسبه وحسبه، فالحق سبحانه وتعالى يقول بسورة «المؤمنون»: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}، وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».


رسول الله.. - أفْديه بنفسي وأمي وأبي وأهلي ومالي، عليه الصلاة والسلام - يُعلِّمنا ويربِّينا ألاَّ مجاملةَ في الحقِّ أبدًا، وقد عَقَل ذلك الصحابةُ الكرام - رضوان الله تعالى عليهم - إذ تربَّوْا في مدرسة النبوَّة، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله تعالى عنه - إذا أراد أن يسُنَّ قانونًا أو تشريعًا جديدًا، جَمَع أهلَ بيته وقال لهم: هذا أمرٌ جديد، مَن خالفه منكم ضاعفتُ له العقوبة؛ حتى لا يتجرأَ أحد على حُرمات الله - تعالى.

وفيما روي عن الأصمعي أنه قال: "بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شابا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: يا من يجيب دعاء المضطر بالظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم.. قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم.. أدعوك ربي حزينا هائما قلقا فارحم بكائي بحق البيت والحرم.. إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه فمن يجود على العاصين بالكرم.

ثم بكى بكاءً شديداً وأنشد يقول: ألا أيها المقصود في كل حاجة شكوت إليك الضر فارحم شكايتي.. ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي.. أتيت بأعمال قباح رديئة وما في الورى عبد جنى كجنايتي.. أتحرقني بالنار يا غاية المنى فأين رجائي ثم أين مخافتي.. ثم سقط على الأرض مغشيا عليه فدنوت منه فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين فرفعت رأسه في حجري وبكيت فقطرت دمعة من دموعي على خده ففتح عينيه وقال من هذا الرجل الذي يهجم علينا؟ قلت: الأصمعي سيدي ما هذا البكاء والجزع وأنت من أهل النبوة ومعدن الرسالة أليس الله تعالى يقول {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}؟ قال زين العابدين: هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان حراً قرشياً أليس الله تعالى يقول: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}.

.. والواقع أن هذه هي الحقيقة وإن قيل إن الأصمعي لم يدرك زين العابدين رحمه الله، فإن هذا ما تؤكده الآية الواردة في الرواية وهي: «لا أنساب بينهم».

وإلى الغد لنقف على بقية المرويات بشأن الاستغفار وأهميته.

السطر الأخير:

رب اغفر لكل مؤمنة ومؤمن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله

aokhayat@yahoo.com