-A +A
نجيب يماني
(المرأة في عالم العمل المتغير)، موضوع كتبه الدكتور «عبدالله دحلان» (أكد فيه أن تكريم المرأة في يوم عالمي يحمل اسمها ويتسابق إلى ذكر مآثرها وما حققته في مسيرة حياتها أمر يحسب لها). رغم تعنت الرجل ووضعه العراقيل في طريقها وكبح طموحها حتى لا تشاركه الريادة وتقف معه على قدم المساواة. تارة يذكرها بضعفها، وأخرى أنها خلقت من ضلعه الأعوج، وثالثة بما ينتابها من تغيرات فسيولوجية تؤثر على تركيزها وصواب قراراتها. يلوي أعناق النصوص ويسخرها لمشيئته لتوافق هوى نفسه وما يرمي إليه دون النظر إلى أسبابها ومسبباتها والمحيط الذي قيلت فيه.

كان العهد الزاهر للمرأة وهي في دار الهجرة بين يدي معلم الأمة الخير عندما كان النساء والرجال يتوضأون من الإناء الواحد ويشرعون فيه جميعاً يزرعون ويحصدون ويبيعون ويشترون، كما ورد في أحاديث المسند وسنن أبي داوود وابن ماجه والبخاري. وقد أورد الدكتور دحلان بعضا من مرويات العهد النبوي في حق المرأة كقوله عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم، وألطفهم بأهله)، ووصيته الكريمة من فوق جبل عرفات معلناً أول بيان لحقوق الإنسان وكانت المرأة حاضرة فيه، مؤكداً لمرات ثلاث (أوصيكم بالنساء خيراً). وقد تلقى الأوائل وصاياه الكريمة في حق المرأة وعملوا على تكريمها والأخذ برأيها ومشاورتها، ففي صلح الحديبية سمعوا رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول لأم سلمة زوجته أمام صحابته وهم مجتمعون مختلفون (حبذا أنت يا أم سلمة لقد نجى الله المسلمين بك اليوم من عذاب أليم)، بعد أن أشارت على النبي بأن يعمل ما يراه صائباً وسيفعل الباقون مثله فكان ما قالت.. وفي مسجده تقف امرأة من بين الصفوف تتكلم جهراً ولم تكن المساجد يومها تعرف حوائل خرسانية أو حواجز أسمنتية وأدوارا عليا تعزل فيها النساء كما نراه اليوم، لترد على الخليفة عمر وهو على منبر رسول الله وتقول له أخطأت يا عمر ويرد أصبت يا امرأة ويقرها على رأيها ويتراجع عن رأيه في تحديد المهور.


وعندما أراد أن يشرع لدولته استعان بحفصة ابنته ليسألها كم تطيق المرأة صبرا عن زوجها، ولما استحت وتمنعت يصرخ فيها أجيبي أباك وأنقذيه من عذاب أليم يوم القيامة، فتجيب تصبر شهرين وتجالد نفسها في الثالث وتفقد صبرها بعد الشهر الرابع، فـأصدر قراره أن لا يغيب المحارب على أسرته أكثر من أربعة أشهر.

وكتب الفقه والسيرة تطفح بأعمال المرأة الجليلة ومواقفها الحكيمة وآرائها السديدة في أحلك الظروف وأصعبها، ويكفي المرأة عزاً أنها في روايتها لحديث رسول الله لم يجرح حفاظ الحديث في أي رواية لها بالكذب، كما رفضت السيدة عائشة الكثير من الأحاديث التي رويت عن النبي وفيها امتهان لكرامة المرأة وإنسانيتها. إن الإسلام قرر مساواة المرأة بالرجل وفي نفس الوقت راعى بعض الفوارق التي أوجبتها الأحكام المالية أو الفرق بين الذكورة والأنوثة، لقد عامل الخليفة عمر شهادة المرأة على أنها وسيلة للوصول إلى الحقيقة وإثباتها مضيفا بعداً آخر لحقوق المرأة، فقضى بأن شهادة النساء وحدهن كافية ومقدمة على شهادة الرجل في شؤون المرأة الخاصة بالنسوة كالحيض والحمل والنفاس والرضاعة. إن من يحاول تثبيط عزم المرأة ويفت في عضد تقدمها وحصولها على حقوقها التي ضمنها لها الشرع وانتزاع هذه الحقوق ليفرض الرجل سيطرته ما أنزل الله بها من سلطان متكئاً على حديث أبي بكرة المروي عن رسول الله بأنه (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهو حديث لم يروِه أحد غيره وفيه حكم رسول الله على قوم فارس بعدم الفلاح بعد أن تولت بوران بنت كسرى حكم أبيها وقد شكك الكثيرون في صحة الحديث وقد رواه بعد مقتل سيدنا عثمان وقيادة أم المؤمنين عائشة جيش الجمل وهو حديث لا يؤخذ منه أي حكم شرعي بل هو خبر مثل آية {غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} وهو واقعة حال تخص الملك بوران ووقائع الأحوال يتطرق إليها الاحتمال فيكسوها ثوب الإجمال ويسقط بها الاستدلال. نعيش عهدا زاهرا وعصرا ذهبيا تغيرت فيه الكثير من المفاهيم وتبدلت فيه الكثير من الوقائع ومكن ولي الأمر للمرأة مكاناً علياً في وظائف الدولة المختلفة بعد أن تبين أنهن أهل للمسؤولية ومكان لها فحملن شهادات عليا في الاقتصاد والقانون والهندسة وأدرْنَ شركات ومؤسسات اقتصادية ومالية وتولّين أعلى المناصب وصعدن درجات المجد ومنصات التكريم، والحال كذلك فما يمنع بأن تمكن المرأة من إدارة أعمالها بيدها لا بيد عمرو ولا تختفي تحت ظل راجل كما أكدت لـ «عكاظ» منى الزهراني نائب أمين عام الغرفة التجارية بأن الوكلاء الذين يديرون المشاريع التجارية المسجلة بأسماء سيدات تسببن في عدم ظهورهن على المستوى الاقتصادي والإعلامي وأخفوا دورهم، أعطوهن الولاية وحق التصرف فإنهن قادرات عاقلات بالتجربة والبرهان.