-A +A
عزيزة المانع
من السمات التي أخذت تنتشر بين كثير من أبناء اللغة العربية، فقدهم الاعتزاز بلغتهم الأم، ليس هذا فحسب، وإنما التعالي عليها والاستهانة بها في مقابل اللغة الإنجليزية التي تجد بينهم جل الاحترام والتقدير، حتى أنهم يقدمونها على العربية في دراسة أبنائهم، وفي إدارة أعمالهم، وفي إجراء أبحاثهم الطبية والعلمية وغيرها، وهم في هذا كله لا يعدمون الأعذار التي يسوقونها لتبرير هجرهم لغتهم الأم وتقديمهم عليها اللغة الإنجليزية، هم يرون أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والحضارة العصرية، وأن التعليم باللغة الإنجليزية (أقوى)، وأن إتقان اللغة الإنجليزية يفتح أبواب العمل لطالبيه، وأن كتابة الأبحاث العلمية باللغة الإنجليزية أمر تحتمه الضرورة لضمان نشرها في المجلات العلمية العالمية، وغير ذلك من التبريرات التي تساق لدعم طرد اللغة العربية بعيدا عن مجال التداول العلمي والتعليمي والبحثي، بما يعمق تراجعها في ميادين العلم والمعرفة ويتركها عالة على اللغة الإنجليزية في هذا الميدان. وهو ما يخشى معه، إن استمر، أن يأتي علينا يوم تكون فيه اللغة العربية، لغة العوام والجهال، وتكون اللغة الإنجليزية هي لغة النخبة من المثقفين والعلماء والباحثين!

كثيرون منا يتحدثون بمرارة عن هذا المنحدر الذي تنزلق إليه اللغة العربية، ولكن قليلا منا الذين يعنيهم حقا اتخاذ خطوات عمل إيجابية لوقف ذلك الانحدار.


يوم الأربعاء الماضي استمعت إلى محاضرة ألقاها في قاعة مؤسسة الملك فيصل الخيرية، الدكتور خالد الكركي رئيس مجمع اللغة العربية الأردني، الفائز هذا العام بجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب. كان عنوان المحاضرة (نحن أدرى: على طريق خدمة اللغة العربية) وقد تضمنت الحديث حول تجربة مجمع اللغة العربية الأردني في خدمة اللغة العربية.

من أبرز أعمال المجمع التي أشار إليها المحاضر، أنه وضع امتحانا للكفاية في اللغة العربية، يماثل امتحان التوفل في اللغة الإنجليزية، وجعل اجتيازه شرطا للحصول على العمل، كما فرض على الجامعات إلزام الباحثين بتقديم نسخة مكتوبة باللغة العربية من كل بحث علمي يعد باللغة الإنجليزية. أما أهم ما قام به هذا المجمع فهو استحداثه قانونا لحماية اللغة العربية، تتضمن بنوده حماية اللغة العربية وإقصاء ما يهدد سلامتها ونماءها.

إن إقرار مثل هذا القانون بات ضرورة يحتمها الواقع المتردي الذي تعاني منه اللغة العربية في الوقت الحاضر، وقد ذكر أستاذنا الجليل الدكتور أحمد الضبيب، الذي كان يدير الجلسة، أن قانونا مشابها لحماية اللغة العربية كان مطروحا أمام مجلس الشورى لمناقشته، إلا أنه أجل لسبب لا يعلمه. وأظنه الآن في أعماق النسيان.