جثمان صالح الرقيب بعد الصلاة عليه ظهر أمس في جامع الملك فهد. (عكاظ)
جثمان صالح الرقيب بعد الصلاة عليه ظهر أمس في جامع الملك فهد. (عكاظ)
الفقيد صالح الرقيب
الفقيد صالح الرقيب
-A +A
علي الرباعي (الباحة)
Al_robai@

لم يكن الراحل صالح بن أحمد الرقيب إلا من قلة واعية ومقتدرة، استشعر مبكّراً معنى «إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا»، فتبنى مشاريع جوهرية في بيئته ومنطقته منها نشر الكتاب وتوزيعه، لإيمانه المبكر أن العلم وسيلة إحياء، وأن نشر المعرفة جهاد أكبر. ومع ما تمتع به الفقيد صالح من وقار ووعي، واستشعار مسؤولية، إلا أنه كان لطيف المعشر، حاضر البديهة، وراسم ابتسامة على محيا من يحادثه، تخرّج مبكراً من معهد المعلمين الابتدائي، فاشتغل بالتدريس حيناً من الدهر، واستحضر دور الأنبياء والمصلحين فعمل واعظاً وخطيباً.


وكان نموذجاً فريداً في تعليمه وخطبه وسعة معارفه واطلاعه وعشقه لتدارس القرآن بعد صلاة الفجر، ولن تنسى النخبة في منطقة الباحة وهي تشيّع الرقيب أمس إلى مثواه فضله على المنطقة وإسهامه في المعرفة والتوعية من خلال تأسيسه مكتبة «الوعي» مطلع التسعينات الهجرية. علماً أن الرقيب لم يكن بائعَ كتابٍ، ولا ورّاقاً بقدر ما كان مسكوناً برفع مستوى وعي وإدراك المجتمع من خلال مكتبته وسط سوق الباحة العتيق.

ولم يتوقف دوره عند إحضار الكتب الثقافية والدينية وتسويقها، بل كان يعقد في المكتبة عصاري أيام الأسبوع ندوات ثقافية مع مجموعة من عشاق المعرفة وأرباب القلم ويعرض عليهم أحدث ما نزل من الكتب وعناوين الفصول والأبواب، وبالأمس كانت الباحة بكل مستوياتها العمرية والإدارية تحتشد لتودع أحد أبرز دعاتها ومعلميها الخير، ولسان حالها ومقالها يلهج بأطيب الذكريات عن رجل البر والإحسان الذي أسهم في تأسيس وبناء المساجد والأوقاف الخيرية وجمعيات البر وتحفيظ القرآن، وموّل بحبٍّ وقناعةٍ الكثير من البرامج والأنشطة والفعاليات. ودّعته الباحة جسداً، واستبقته أثراً محموداً وذكراً عطراً، والذِّكْرُ للإنسانِ عمرٌ ثانٍ.