-A +A
أنمار مطاوع
الصراع الثقافي للتيارات الفكرية في المجتمع لا ينتهي ولا يتوقف -هذه حقيقة يقرها الفلاسفة وعلماء المجتمع-، حيث إن الصراع في ذاته ليس سيئا. ما يجعله سلبيا أو إيجابيا هو الغاية التي يقوم عليها الصراع. الصراعات السلبية لها طرق كثيرة وعديدة؛ كلها جفاء لا طائل منه، لأنها صراعات تبحث عن مصالح ذاتية أو فئوية.. أو صراعات يحاول أطرافها القضاء على بعضهم البعض من أجل إعلاء مفاهيم مُختلف عليها، أو من أجل ترسيخ هوية شكلية مشكوك في أصلها تحاول فئة فرضها على الجميع. كل أولئك على طريق الوهم يسيرون. فالصراع الإيجابي هو الذي يسير في طريق واحد -قادر على استيعاب وجمع الأضداد والمتناقضات- وهو طريق (الحقيقة)؛ التي لا تعنيها الأضداد والمتناقضات، ولا تعنيها المصالح، ولا تعنيها المفاهيم والهويات.. الحقيقة مطلقة. ولكن، من يملك الحقيقة؟ ومن يدعي أنه صاحب الحق المطلق في تفسيرها؟ وأن مفهومه لا يُفترض أن يُنازع أو يُختلف عليه؟

الطريق إلى الحقيقة موسوم بالقناعة التامة بضرورة البحث عنها؛ أي باتباع الحق وليس ادعاؤه. فرحلة البحث عن الحقيقة تبدأ بالحق؛ بل نصف الطريق إلى الحقيقة هو الحق. والنصف الآخر هو الاقتناع بالحق. من بدأ على باطل، ففكره باطل أساسا.. ومن بدأ على حق ثم لم يقتنع به، وصل في النهاية إلى الباطل.. وليس الحقيقة.


الصراع بين المذاهب والأحزاب والمنظمات -حسب وضعه الراهن في العالم كله- هو صراع لا جدوى ولا طائل منه. فلعبة شد الحبل لن تنتهي. كل طرف سيأخذ حيزا زمنيا ينتصر فيه على حساب الآخر.. ثم تدور دائرة السوء.

لو بدأت كل الأطراف في البحث عن الحقيقة.. لسكتت كثير من الأصوات المتحذلقة حد الكوميديا، التي تجد أرضا خصبة في طريق يرحب بالمتحذلقين.

ذلك المدعي للتدين الذي يرمي بذباب أفكاره عنوة في شراب القوم ثم يغمسه بالكامل.. ويجبرهم على شربه وهو يحدثهم عن (الدين والإعجاز).. ونقيضه المدعي للتحرر الذي لا يفهم معنى الثرثرة ويعيش بإحساس الأفضلية واحتقار كل من يخالفه الانفلات.. كلا النموذجين سيقفان عند بوابة (الحق) التي لا يدخلها إلا من يريد حقا الوصول للحقيقة.

الحق يرافقه الاعتدال، ومن يبحث عن الحقيقة عليه أن ينشر ثقافة الاعتدال؛ فهي مخرج لكثير من الأباطيل، ومدخل لبوابة الحق.

anmar20@yahoo.com