في عديد الحروب التي شهدتها الدول، كان السؤال المحير: من يقتل من؟ وفي أكثر من مرحلة لم يتجاوز سؤال مثل هذا في الطرح، كيف يفرض «الفيتو» العقلي على أسئلة لا تحتاج لكثير من الدهاء للإجابة عليها. ومثلما وقع هذا السؤال «من يقتل من؟» وقع سؤال مماثل لكن بنوع من «التلذذ» في استغباء العقول وتخديرها في إعطاء إجابات جاهزة وغير مُؤسسة. هذا السؤال من يدعم الإرهاب ومن يرعاه ويلبسه قبعته؟ عندما حاول الكونغرس الأمريكي، تمرير قانون «جاستا» أو ما يعرف «العدالة ضد رعاة العمليات الإرهابية»، كان يريد من خلالها إدانة السعودية، بزعمها أنها ترعى الإرهاب.
لكن ما خفي على العقل الساذج أو النفس «الطامعة» لم يكن هو الحال بالنسبة للبيب، فأول من تبنى «شيطنة» السعودية، هو نفسه من يلبس قبعة الإرهاب.
لا يمكن إنكار وقائع، أتت بها الوثائق التاريخية، وسربتها كبريات المراكز البحثية، وهي تلك العلاقة بين أمريكا والقاعدة وطالبان.
اليوم الذين يرفعون أصواتهم المجعجعة بأن السعودية هي حاضنة لما يسمونه بالوهابية، يدركون جيدا أن عملية الخبر في 1996، وغيرها من العمليات الإرهابية داخل المملكة، كانت بتنسيق مع جيران السعودية، الذين يثيرون القلاقل اليوم بالمنطقة.. واليوم، تواجه السعودية إرهابا متوحشا في المنطقة، وتحارب وحدها الإرهاب الذي يضرب في كل مرة أمنها واستقرارها، دون أن تكل أو تستسلم. من السهل إلقاء التهم من قبل الغرب على السعودية واختزال مشكلات العالم في «الوهابية». وفي كل الأحوال، فإنه لم يعد هناك مجال للتهرب من تسمية الأشياء بمسمياتها، ولم يعد هناك مجال لترك الأمور على حالها دون تصويب وتصحيح، على الأقل إنصافا للأجيال وللتاريخ. ولا مفر من الذهاب إلى صلب المؤسسات الدولية لتصحيح الصور النمطية التي انتشرت عن الوهابية. لقد كان لتدخل المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، أثناء اجتماع بالأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، الأثرالبالغ وكان لا بد من ذلك الحديث لتصويب ما لم يصوب حين قال: إن الوهابية موجودة منذ أكثر من 200 سنة ولم تكن يوما اتجاها إرهابيا. وإن الإرهاب استغل الدين لأغراضه السياسية. كان لا بد أن يقال مثل ذلك الكلام في محفل يحظى بالمصداقية وبالشرعية. وكان الكلام أكثر من ضروري من قبل مسؤول كبير في السعودية؛ لأن لا خيار أمام المملكة غير مواجهة العالم بحقائق محاربتها للإرهاب، وصمودها في معادلة تتنامى فيها كل صور التطرف واللااستقرار. كان لا بد أن يرتفع صوت منصور التركي ليقول إنه «ليس من المنطق اتهام بلد يعاني من الإرهاب منذ 1979 وبدعمه له»، كان لا بد أن يستعرض اللواء التركي تجربة المملكة في مكافحة التطرف، سواء على المستويين الأيديولوجي والتمويلي، أو تتبع تبييض الأموال التي تذهب للجماعات الإرهابية. كان حديث منصور التركي مقنعا وحاسما عندما خاطب الحضور بالقول: إنه يستدعي علينا التشخيص الصحيح من أجل هزيمة الإرهاب وتوحيد الجهود، بدل إلقاء التهم ولوم هذا وذاك. منذ الهجمات التي هزت أوروبا (باريس وبروكسل)، أصبح الغرب يتعاطى مع الإسلام على أنه مصدر كل التهديدات والشرور التي تعصف بأمن واستقرار الشعوب. ولم يقتصر هذا التفكير على حدود الاتهام للإسلام، ولكنه أصبح يُنَظّر لبعض مذاهبه ويستقرئ العقيدة المذهبية لدى المسلمين، فالمعطى الوحيد الذي صار يهيمن على العقول، هو أن الإسلام بشكل عام وحركاته ومذاهبه على وجه مخصوص هي أخطر التهديدات التي تتربص اليوم بهذا الكون. هذا الغرب الذي فسح المجال أمام منظريه وشعبوييه للخوض والقراءة في عقيدة المسلمين، كأنه ضليع في الأصول والمذاهب، وسم الإسلام بثقافة الإرهاب ورفض كل ما هو عقلاني للحداثة وقيمها. ويبدو أن هذا الغرب جعل من منطقة الشرق الأوسط مصدرا طبيعيا لهذا الانفصام والشر الذي يتربص بالكون. ورسم حدودا لهذه العقيدة، لا تكاد تتجاوزعقلية التطرف والأصولية. هكذا يصبح الدين لدى الغرب هو العامل الوحيد لتفسير سلوك المجتمعات العربية والإنسان المسلم. ولم يستثن هذا الغرب من توجيه أصابع الاتهام إلى المذاهب الدينية والحركات على أنها حاضنة التطرف والأصولية. الغرب لم يستوعب التنوع المذهبي والنحلي الذي يزخر به العالم الإسلامي. بل أعتقد جازمة أن أكثر الهجمات على الدين الإسلامي نابعة من الدول الأوروبية وليس من الدول الأنجلوسكسونية. وقد يقول قائل إن التقاربين التاريخي واللغوي ساهما في ذلك، إذ إن عامل اللغة لعب دوره في استقراء الدول الخليجية بشكل موضوعي. في حين غابت الموضوعية عن الدول الأوروبية باعتبارها أكثر قربا من المغرب العربي. الدول الأنجلوسكسونية، طالما تناولت كل ما يتعلق بالعالم الإسلامي من منظور موضوعي والدليل كتاب «نتاناج ديلونغ» بالإنجليزية الذي هو عبارة عن أطروحة دكتوراه، تناولت فيها الحركة الوهابية بشكل موضوعي، إذ ذهبت لاستعراض مبادئها. وقد صدر كتابها عن جامعة أوكسفورد بعنوان «Wahabi Islam» أو الإسلام الوهابي، الذي يعتبر دراسة ممحصة عن الوهابية. ولم يكل الكتاب التهم والادعاءات لهذه الحركة، بل كان من بين أهم المصادر التي أنصفت الوهابية. واللافت للانتباه أن الخوض في مسائل متعلقة بالعالم الإسلامي من قبل باحثين وكتاب لهم مصداقية، يجد دائما آذانا صاغية عند القارئ الغربي، لعدة اعتبارات أهمها صدوره عن جامعة لها مصداقيتها وشرعيتها الدولية كأوكسفورد، وأن المؤلف كاتب متخصص في شؤون العالم الإسلامي وليس كأي شخص يخوض بشعبوية في شؤون العالم الإسلامي دون أدنى دراية بأصوله وتاريخه، مثلما يحدث غالبا في أوروبا.
الوهابية، التي تنسب للسعودية جعل منها أعداء المملكة بعبعا يهدد استقرار الشعوب والأمم، لذا كان لزاما على المملكة أن تتحرك في اتجاه توضيح معطيات مهمة حول هذا التوجه. ولا حاجة للغرب في أن يصدق أكذوبة طال أمدها ولقيت حاضنتها في محيط دولي ترعاه المصالح وتلبسه التوازنات الإقليمية. ومن مصلحة كل دولة اليوم أن لا تدس رأسها في الرمل، لأن البعيد عنها اليوم، سيصبح غدا في عقر ديارها.
لكن ما خفي على العقل الساذج أو النفس «الطامعة» لم يكن هو الحال بالنسبة للبيب، فأول من تبنى «شيطنة» السعودية، هو نفسه من يلبس قبعة الإرهاب.
لا يمكن إنكار وقائع، أتت بها الوثائق التاريخية، وسربتها كبريات المراكز البحثية، وهي تلك العلاقة بين أمريكا والقاعدة وطالبان.
اليوم الذين يرفعون أصواتهم المجعجعة بأن السعودية هي حاضنة لما يسمونه بالوهابية، يدركون جيدا أن عملية الخبر في 1996، وغيرها من العمليات الإرهابية داخل المملكة، كانت بتنسيق مع جيران السعودية، الذين يثيرون القلاقل اليوم بالمنطقة.. واليوم، تواجه السعودية إرهابا متوحشا في المنطقة، وتحارب وحدها الإرهاب الذي يضرب في كل مرة أمنها واستقرارها، دون أن تكل أو تستسلم. من السهل إلقاء التهم من قبل الغرب على السعودية واختزال مشكلات العالم في «الوهابية». وفي كل الأحوال، فإنه لم يعد هناك مجال للتهرب من تسمية الأشياء بمسمياتها، ولم يعد هناك مجال لترك الأمور على حالها دون تصويب وتصحيح، على الأقل إنصافا للأجيال وللتاريخ. ولا مفر من الذهاب إلى صلب المؤسسات الدولية لتصحيح الصور النمطية التي انتشرت عن الوهابية. لقد كان لتدخل المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، أثناء اجتماع بالأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، الأثرالبالغ وكان لا بد من ذلك الحديث لتصويب ما لم يصوب حين قال: إن الوهابية موجودة منذ أكثر من 200 سنة ولم تكن يوما اتجاها إرهابيا. وإن الإرهاب استغل الدين لأغراضه السياسية. كان لا بد أن يقال مثل ذلك الكلام في محفل يحظى بالمصداقية وبالشرعية. وكان الكلام أكثر من ضروري من قبل مسؤول كبير في السعودية؛ لأن لا خيار أمام المملكة غير مواجهة العالم بحقائق محاربتها للإرهاب، وصمودها في معادلة تتنامى فيها كل صور التطرف واللااستقرار. كان لا بد أن يرتفع صوت منصور التركي ليقول إنه «ليس من المنطق اتهام بلد يعاني من الإرهاب منذ 1979 وبدعمه له»، كان لا بد أن يستعرض اللواء التركي تجربة المملكة في مكافحة التطرف، سواء على المستويين الأيديولوجي والتمويلي، أو تتبع تبييض الأموال التي تذهب للجماعات الإرهابية. كان حديث منصور التركي مقنعا وحاسما عندما خاطب الحضور بالقول: إنه يستدعي علينا التشخيص الصحيح من أجل هزيمة الإرهاب وتوحيد الجهود، بدل إلقاء التهم ولوم هذا وذاك. منذ الهجمات التي هزت أوروبا (باريس وبروكسل)، أصبح الغرب يتعاطى مع الإسلام على أنه مصدر كل التهديدات والشرور التي تعصف بأمن واستقرار الشعوب. ولم يقتصر هذا التفكير على حدود الاتهام للإسلام، ولكنه أصبح يُنَظّر لبعض مذاهبه ويستقرئ العقيدة المذهبية لدى المسلمين، فالمعطى الوحيد الذي صار يهيمن على العقول، هو أن الإسلام بشكل عام وحركاته ومذاهبه على وجه مخصوص هي أخطر التهديدات التي تتربص اليوم بهذا الكون. هذا الغرب الذي فسح المجال أمام منظريه وشعبوييه للخوض والقراءة في عقيدة المسلمين، كأنه ضليع في الأصول والمذاهب، وسم الإسلام بثقافة الإرهاب ورفض كل ما هو عقلاني للحداثة وقيمها. ويبدو أن هذا الغرب جعل من منطقة الشرق الأوسط مصدرا طبيعيا لهذا الانفصام والشر الذي يتربص بالكون. ورسم حدودا لهذه العقيدة، لا تكاد تتجاوزعقلية التطرف والأصولية. هكذا يصبح الدين لدى الغرب هو العامل الوحيد لتفسير سلوك المجتمعات العربية والإنسان المسلم. ولم يستثن هذا الغرب من توجيه أصابع الاتهام إلى المذاهب الدينية والحركات على أنها حاضنة التطرف والأصولية. الغرب لم يستوعب التنوع المذهبي والنحلي الذي يزخر به العالم الإسلامي. بل أعتقد جازمة أن أكثر الهجمات على الدين الإسلامي نابعة من الدول الأوروبية وليس من الدول الأنجلوسكسونية. وقد يقول قائل إن التقاربين التاريخي واللغوي ساهما في ذلك، إذ إن عامل اللغة لعب دوره في استقراء الدول الخليجية بشكل موضوعي. في حين غابت الموضوعية عن الدول الأوروبية باعتبارها أكثر قربا من المغرب العربي. الدول الأنجلوسكسونية، طالما تناولت كل ما يتعلق بالعالم الإسلامي من منظور موضوعي والدليل كتاب «نتاناج ديلونغ» بالإنجليزية الذي هو عبارة عن أطروحة دكتوراه، تناولت فيها الحركة الوهابية بشكل موضوعي، إذ ذهبت لاستعراض مبادئها. وقد صدر كتابها عن جامعة أوكسفورد بعنوان «Wahabi Islam» أو الإسلام الوهابي، الذي يعتبر دراسة ممحصة عن الوهابية. ولم يكل الكتاب التهم والادعاءات لهذه الحركة، بل كان من بين أهم المصادر التي أنصفت الوهابية. واللافت للانتباه أن الخوض في مسائل متعلقة بالعالم الإسلامي من قبل باحثين وكتاب لهم مصداقية، يجد دائما آذانا صاغية عند القارئ الغربي، لعدة اعتبارات أهمها صدوره عن جامعة لها مصداقيتها وشرعيتها الدولية كأوكسفورد، وأن المؤلف كاتب متخصص في شؤون العالم الإسلامي وليس كأي شخص يخوض بشعبوية في شؤون العالم الإسلامي دون أدنى دراية بأصوله وتاريخه، مثلما يحدث غالبا في أوروبا.
الوهابية، التي تنسب للسعودية جعل منها أعداء المملكة بعبعا يهدد استقرار الشعوب والأمم، لذا كان لزاما على المملكة أن تتحرك في اتجاه توضيح معطيات مهمة حول هذا التوجه. ولا حاجة للغرب في أن يصدق أكذوبة طال أمدها ولقيت حاضنتها في محيط دولي ترعاه المصالح وتلبسه التوازنات الإقليمية. ومن مصلحة كل دولة اليوم أن لا تدس رأسها في الرمل، لأن البعيد عنها اليوم، سيصبح غدا في عقر ديارها.