-A +A
نجيب يماني
لم يكن افتتاح مركز الملك عبدالله للأورام وأمراض الكبد، في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، الذي عاشته مدينة الرياض قبل أيام، حدثا عاديا بحيث يسقط من ذاكرة الاحتفاء والوقوف عنده بروح التأمل، ورغبة القراءة الباصرة، فقد كان بحق حدثا استثنائيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من روح التميز، وحمولة الإنجاز.. فقد تضافرت جهود رجال نذروا أنفسهم وجهودهم من أجل رفعة هذا الوطن المعطاء، وتعاهدوا على أن يقدموا من أجل ذلك كل ما يملكون دون منّ وافتخار زائف، ولهذا جاء صنيعهم حاملاً في طياتهم رؤيتهم البصيرة، وتخطيطهم المنسجم مع ما تشهده المملكة من نهضة شاملة وتحول اجتماعي في كل مناحي الحياة، اتساقا مع رؤية المملكة 2030، الساعية في جوهرها إلى رفاهية المواطن السعودي، وتوفير البيئة الملائمة لعيشه الكريم..

إن إنشاء هذا المركز إنما جاء ضمن الخطة الشاملة للعشرين عاماً المقبلة مستوفيا لمتطلبات المرحلة التي نعيشها اليوم، وما تحتاجه من توطين للعلاج التخصصي في داخل الوطن، وما لذلك من مردود اقتصادي، وعلمي، وبحثي مهم، فضلاً عن كون من خططوا له ونفذوه استجابوا لمتطلبات المرحلة قياسًا على «شيوع بعض الأمراض الدقيقة والمعقدة التي تتطلب كفاءات بشرية طبية عالية الخبرة والتأهيل إضافة إلى التقنيات الطبية المتطورة»، حسب ما أشار بذلك معالي المشرف العام التنفيذي للمؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتور قاسم بن عثمان القصبي، في حديثه عن المركز الرائد في استخدام الحاسب الآلي بشكل شمولي في تقديم خدماته، وذلك خلال حفل الافتتاح الذي رعاه معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة.. ونستطيع القول بكل فخر واعتزاز إن المملكة وبهذا المركز المتطور قد وضعت قدما راسخة في هذا المجال، فالمركز يمثل بصدق إضافة مهمة، ونقلة نوعية في الخدمات الطبية التخصصية الشاملة، سواء على مستوى التقنية المستخدمة فيه والتي وظفت فيها أحدث التطبيقات الإلكترونية الذكية في كافة تفاصيل تقديم الرعاية الطبية، أو الكوادر العاملة في هذا الصرح الطبي الكبير، إضافة إلى ما يمتلكه المركز من طاقة استيعابية قوامها (300) سرير للتنويم و(96) أخرى للعلاج الوريدي، فضلاً عن (8) غرف للعمليات، مدعومة كلها ببنية تحتية متكاملة، بما يجعله صرحا تخصصياً نعول عليه كثيرا في الإيفاء بمتطلبات الاستشفاء لعدد كبير من المواطنين، ظلوا يعانون الأمرين في سبيل العلاج خارج وطنهم، ليأتي هذا المركز والذي يعتبر أكبر توسعة يشهدها تاريخ المستشفى الحافل بإضافة لبنات جديدة في كل عهد من عهود أبناء المؤسس رحمه الله، وذلك لتلبية حاجة العلاج بالداخل، وتقليص قوائم الانتظار، وما يتبعها من معاناة طويلة.. خاصة في ظل ارتفاع معدل أعداد الزراعة خلال الأعوام الماضية بنسبة 210%. لقد أصبحت المملكة من ضمن الدول الأعلى عالمياً في زراعة الكبد والكلى للأطفال، تدعم كل هذه الجهود وتعضدها بحوث سنوية علمية مميزة ما جعل (التخصصي) ضمن أكبر أربعة بالمائة من المراكز الطبية العالمية.


إن هذا المركز يقف شاهدا على قدرة الفرد السعودي على الإنجاز، والتخطيط السليم، والوفاء بحق الوطن، فالشكر أجزله نزجيه لكل من أسهم في جعل هذا الحلم واقعا معاشا، ومزيدا من التقدم والرفعة لوطننا المعطاء الحبيب الذي لم تشغله الأحداث الدائرة من حوله على الاهتمام بتنمية وطنه وتقوية جبهته الداخلية.

إن كل الحقائق والإحصائيات والأرقام والتي تجلت ساعة افتتاح المركز، والتي أظهرت إجمالي عمليات زراعة الأعضاء، وكذلك الزيادة المطردة في عدد عمليات زراعة الكبد وزراعة نخاع العظام والخلايا الجذعية للكبار والصغار، ما بوأه مكان الصدارة في عالم اليوم، وهذا لم يأتِ من فراغ وإنما سبقه جهود وتضحيات منذ أن زرع الشهيد الملك فيصل بذرة هذا الكيان على مساحة 920 ألف متر مربع في رمال صحراء الرياض، واستمر حصاده على أيدي إخوته الكرام عاما بعد عام وصولاً إلى العهد المبارك لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله الذي ظل يدعم هذا الكيان ويدفع به للكمال الذي يليق بهذا الوطن الكبير.

في بشارة أعلنها معالي الدكتور القصبي صاحب المبادرات الكريمة والذي يعمل بكل جد وإخلاص وتواضع لصالح هذا الكيان وتطويره عن تدشين مؤسسة الملك فيصل التخصصي الخيرية (وريف الخيرية)، تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية يقوم عليها نخبة من العلماء ورجال الأعمال والأطباء، يمثلون هيئتها الشرعية ومجلس إدارتها، لتحقيق عمل مؤسسي يقوم على الشفافية والحوكمة، مع استكمال إجراءات تأسيس صندوق وقفي خيري شامل يتم تسجيله في هيئة سوق المال، بحيث يستطيع الجميع المشاركة فيه، في خطوة تعزز مؤسسات المجتمع المدني وتتفق مع رؤية 2030 محققة قوله تعالى: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

نسأل الله الرحمة والغفران وأن يثقل بهذا العمل ميزان حسنات الملك الراحل عبدالله الذي حمل المركز اسمه وتم إنشاؤه بتوجيه مباشر منه، متلمساً الحاجة الملحة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من مرضى الأورام. والشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بعزمه وحزمه.