-A +A
سعيد السريحي
لا يمكن لهيئة السياحة أن تنجح في مسعاها وتتمكن من الترويج للمواقع السياحية، وخاصة التاريخية والأثرية منها، ما لم توسع قاعدة العاملين فيها لتشمل المؤرخين وكتاب السير الشعبية وعلماء الآثار والجغرافيين، ذلك أن القيمة الحقيقية للمواقع السياحية ليست فيما يراه السائح منها وإنما فيما يعلمه عنها، في التاريخ والأساطير التي تدور حولها والتي تمنحها ثراء يجعلها جديرة بالزيارة حتى لو لم يكن فيها غير بقايا أطلال أو شواهد جغرافية على عصور موغلة في القدم.

من ذلك موقع «مقلع طمية» الذي دشنه الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وهو عبارة عن فوهة قديمة تكونت بفعل بركان أو سقوط نيزك يصل عمقها إلى 380 مترا يبلغ قطرها الدائري نحو 3 كيلو مترات تحيط بها النباتات البرية وأشجار الدوم والنخيل، ويذهب علماء الجيولوجيا إلى أن عمر الصخور القاعدية للموقع يعود إلى نحو مليوني سنة،


وإذا كان الشكل الجمالي والتكوين الجغرافي وعمر تلك الصخور يشكل عامل استقطاب سياحي فإن ما أنجزته المخيلة الشعبية من أساطير وحكايات من شأنه أن يدعم ثراء الموقع لما تكشف عنه تلك الأساطيرمن ثراء ثقافي سعى من خلاله إنسان الجزيرة العربية إلى استيحاء مشاهد الطبيعة من حوله لإنجاز رؤية فنية تشكل إطارا ثقافيا للموقع.

تتحدث الأسطورة عن مقلع طمية، كما ذكرها المؤرخ ياقوت الحموي وتناقلتها الأجيال، عن قصة عشق وقعت ما بين جبل طمية وجبل قطن الذي يقع في المنطقة الوسطى بنجد، حيث تقول الأسطورة بأنه في ليلة من الليالي وعلى ضوء البرق شاهدت طمية جبل قطن، فوقعت بحبه وقررت الذهاب إليه، وعند قلعت نفسها من الموقع لحق بها ابن عمها وهو جبل آخر يسمى عكاش وكان يغار عليها، ومن شدة غيرته رمى طمية برماحه حتى لا تصل إلى قطن مما أدى إلى إصابتها وسقوطها على الأرض قبل أن تتمكن من وصولها إلى محبوبها قطن، وبقي المكان الذي اقتلعت نفسها منه معروفا باسم مقلع طمية.

الأسطورة هذه أنموذج على تأثيث المكان بمخيلة الإنسان وهي أنموذج كذلك لما يمكن أن تشكله الخلفية الثقافية من إثراء للمواقع السياحية، وتحقيق ذلك لا يمكن أن يتحقق ما لم تضم هيئة السياحة من بين العاملين فيها باحثين في التاريخ والآثار والسير الشعبية.