-A +A
سعيد السريحي
استطلاعات الرأي تستبعد فوز مرشحة اليمين المتطرف في فرنسا ماري لوبان في الجولة الثانية للانتخابات، غير أن استطلاعات الرأي التي فشلت فشلا ذريعا في تحديد الفائز في الانتخابات الأمريكية كما فشلت قبل ذلك في تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يمكن الرهان عليها، وهذا يعني أن وصول ماري لوبان إلى قصر الإليزيه يظل احتمالا واردا، خاصة بعد أن كشفت الجولة الأولى من الانتخابات عن تغير كبير في مزاج الناخب الفرنسي على نحو أخرج أحزاب اليسار والحزب الديجولي بتاريخه العريق من سباق الرئاسة وبقي الخيار محصورا بين وسط اليمين وتطرف اليمين الذي تمثله ماري لوبان.

فوز ماري لوبان الذي حذر منه المرشحون الذين خسروا الجولة الثانية ويحذرمنه كذلك منافسها ماكرون يعني اختيار فرنسا للعزلة التي اتسم به البرنامج الانتخابي للوبان، وهي عزلة تحاول أن تسترد من خلالها فرنسا هويتها التاريخية التي تأثرت كثيرا نتيجة تدفق المهاجرين من بلدان وثقافات كثيرة إليها كما تأثرت بما أزالته اتفاقيات الاتحاد الأوروبي وتشنجن من حدود كانت تمايز بين الثقافات الأوروبية على الرغم مما يبدو من تشابه بينها.


برنامج لوبان الانتخابي برنامج أصولية ثقافية بدأت ترسم المعالم الرئيسية للخطاب الأوروبي، وإذا كان تهديد الإرهاب قد ساعد على تكريس هذا الخطاب ومنحه ذرائع شرعية فإنه في جوهره سابق على ما تعانيه أوروبا من إرهاب وحسبنا في هذا المقام الإشارة إلى أن لوبان وريثة لبرنامج والدها الانتخابي الذي مكنه من دخول الجولة الثانية في الانتخابات الفرنسية قبل ١٥ سنة أي قبل معاناة أوروبا وخاصة فرنسا من الهجمات الإرهابية.

أوروبا على عتبة مزاج سياسي جديد يشكل نقيضا لذلك المزاج الذي جعلها تفتح حدودها للمهاجرين وتلغي حدودها مع الجيران، مزاج جديد يتأسس باعتباره نقيضا للخطاب الراهن مقدما نفسه باعتباره الحل لما تركته سياسة الانفتاح من أثر على الهوية الفرنسية، وإذا ما صدقت توقعات استطلاع الرأي وخسرت لوبان الجولة الثانية فإن تنامي الأصولية الثقافية يحمل لها وعدا مؤكدا في جولات قادمة لانتخابات الرئاسة الفرنسية.