-A +A
حمود أبو طالب
كان مساء الثلاثاء الماضي كرنفالاً ثقافياً سعودياً بامتياز في أبوظبي، عندما فاز الروائي محمد حسن علوان بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، واعتلى إياد حكمي إمارة الشعر الفصيح وزميله طارق الصميلي وصيفاً له. دخل المبدعون الثلاثة الشباب منافسة صعبة مع بقية المشاركين من الدول العربية، لكن تميزهم أوصلهم بجدارة وتوجوا بالجوائز في احتفالية كبيرة هناك، بينما اقتصر التفاعل هنا على خبر فوزهم في الصحف ومبادرة وزير الإعلام الجديد بالاتصال بالروائي علوان كما ذكر حسابه في تويتر دون إشارة إلى اتصال بالشاعرين، وسوف يعود الفائزون إلى وطنهم بصمت وينتهي كل شيء.

مثل هذا الإنجاز ليس طارئاً على الثقافة السعودية، فقد حصد عبده خال ورجاء عالم جائزة البوكر، وفاز مثقفون وأدباء وشعراء بجوائز مرموقة، وحضرت الثقافة السعودية بقوة في معارض الكتب العربية والخارجية، وترجمت أعمال إبداعية لبعض المثقفين إلى عدة لغات أجنبية، واحتفت مراكز ثقافية عربية وغربية بإبداعهم وكرمتهم، وكل ذلك بمجهودهم الشخصي؛ لأن العمل الثقافي المؤسسي الفاعل ما زال قاصرا لدينا، والثقافة بمجملها في أدنى سلم الاهتمامات في كل الخطط والإستراتيجيات والمشاريع الوطنية الماضية. والآن ليس مفيداً التأسف على الماضي، ولا بد من التركيز على الحاضر والمستقبل الثقافي، انطلاقا من كون الثقافة ضرورة إنسانية ووطنية وفعل حضاري وممارسة خلاقة تسمو بالبشر، وعلاج للعلل والتشوهات الاجتماعية، وفي مرحلتنا الراهنة هي من أهم المحركات التي تساعد على سهولة المضي باتجاه التحديث ومواكبة العالم في تحولاته المتسارعة والتناغم معه كجوقة لا تقبل النغمة النشاز.


لقد تضمنت رؤية 2030 مكونا ثقافيا تم توضيح خطوطه العريضة وأهدافه، وفي الشهر الماضي تم الإعلان عن الهيئة العامة للثقافة، لكن كل شيء ما زال على الورق بانتظار التفعيل الذي يجب أن يشرف عليه المنتمون إلى هذا الزمن وليس المتكلسين في مفاهيم الماضي، والذين يستطيعون إيجاد حراك ثقافي حقيقي يلبي اشتراطات الراهن وإرهاصات المستقبل ويليق بمستوى الثقافة الوطنية وعناصرها من مثقفين ومبدعين.

إن الثقافة الحقيقية لا تقل أهمية عن أي عنصر قوة آخر، اقتصاديا كان أم سياسيا، ومعيب جداً أن نهمل هذا الشأن ونجعل المثقفين المتميزين يستمرون كائنات غريبة مهمشة في وطنهم، ويا لها من مفارقة أن تعود النجوم التي لمعت في أبو ظبي لتنطفئ في وطنها بعد أيام قليلة من المهرجان الصاخب والزفة الكبرى التي أقمناها لمن يطلق عليهم شعراء الشيلات وما شابهها، الذين أُغدقت عليهم الملايين، بينما لا يطمح غيرهم من المثقفين الحقيقيين لأكثر من الالتفات إليهم والاهتمام بمنجزهم.