-A +A
سارة العتيبي
تلك الليلة، شعرت وكأنني ضائع تماماً أمام أسئلته، ولقد رد لي الصاع صاعين.. بانفعال، بدأت بالصراخ بوجهه دون وعي، وكل جملة كنت أقولها كانت تسبقها كلمة أقسم بالله... «أقسم بالله أن تاريخنا مشرف.. مشرف.. أقسم بالله أقسم بالله».. حتى اختفت الجمل تلك وظللت أردد أقسم بالله.. أقسم بالله.. ولساني يعجز عن قول أي شيء آخر.. انتصبت واقفاً، والحرارة والحماسة تشتعل ملء جسدي، اجتمع الدم في وجهي وبرزت العروق وبدوت كالشيطان في انتفاخ. بدأت أقسم وأتوعد.

رد علي ذلك الزنديق - قائلاً:.. «يا شيخ عبدالإله، جميعنا نعلم أنه تاريخ مشرف.. ولكنه ليس تاريخنا! هو لأصحابه!.. تاريخك أنت من تصنعه..! فأجبني متى سنبدأ بصناعة تاريخنا بدلاً من التفاخر بتاريخ صنعه غيرنا كالأطفال»... -«تباً لك!!!» وخرجت ضارباً الباب بعنف..


في يومٍ ممطر كنفس اليوم الذي قابلت فيه ذلك الشاب لأول مرة.... - قبل 3 أشهر-

عندما ألقيت محاضرة في إحدى الجامعات، وكان موضوعها عن التاريخ الإسلامي، بقصصه التي أحبها وأحفظها عن ظهر قلب، فكنت أشد حماساً من الطلاب الذين يكبرون ويدمع بعضهم شوقاً إلى المسلمين الأوائل، ثم قام، فاستأذنني ليسألني سؤالاً فأذنت له.... -«يا شيخ، ما فائدة تكرار هذه القصص التاريخية، لأناس ماتوا منذ 1400 سنة؟... ما الذي نجنيه؟»..... أجبته بالإجابة المعتادة التي أعدتها في جميع كتب التاريخ.... -«معرفة تاريخنا ستفيدنا في بناء حاضرنا ومستقبلنا»... -«معذرة يا شيخ، منذ متى ونحن ندرس الماضي؟ وهل لنا ما ندرسه ونلقنه لأطفالنا سوى الماضي؟ وكم عدد تلك الكتب التي تتناول الماضي، كانت ومازالت تملأ رفوف مكتباتنا.. ومواقعنا الإلكترونية!

سؤالي هو: متى سيحين وقت بناء المستقبل؟ أم مازال علينا أن نعيش في الماضي حرفياً؟... يا شيخ، نحن نتغنى بماضينا.. ولا نجد شيئاً نفخر به سوى ماضينا.. وإنما الماضي ليس لنا!.. وإنما لقوم قضوا نحبهم فتاريخهم لهم..»..... كتمت غيظي.. ويجب علي أن أعترف بأنني لم أجد لسؤاله إجابة فرددت عليه ساخراً،..: - «أنت لا تزال يافعاً صغيراً.. ستكبر وستفهم، لا داعي لتلك الأسئلة السابقة لأوانها!»... ابتسم ورد علي ولم تحرك فيه سخريتي شيئاً..: -«يا شيخ، ليست هنالك أسئلة للكبار أو للصغار الأغرار، هنالك أسئلة تروقك فلا تكترث بسن صاحبها، وهنالك أغرار صغار يسألونك أسئلة لا تروقك.. فهنا تتخذ السن عذراً للتهرب من الإجابة.... وهنا يكون السن أهم من عقل المرء..».. سَكتُ.. ونظرت بسرعة نحو أحد الحراس الذين يقفون أمام أبواب القاعة.. مشيراً إليه أن أخرجه من هنا حالاً، لكنه خرج وعلى شفتيه ابتسامة نصر! مما زادني كمداً وغيظا..

gogosa66@gmail.com