-A +A
هاني الظاهري
خلال السنوات الأخيرة اشتهرت في السعودية عبارة طريفة تُذيل بها بطاقات الدعوات الخاصة بحفلات الزواج نصها: «جنة أطفالكم منازلهم»، وهي رسالة مهذبة تعني «يمنع اصطحاب الأطفال»، واليوم مع تعالي أصوات فئة من الناس لا تشكل أي ثقل معتبر في المجتمع السعودي ضد كل مباهج الحياة بما في ذلك فعاليات الترفيه المتنوعة في مختلف مناطق المملكة، يمكننا أن نستعير العبارة لتصبح «جنة المعترضين على الترفيه منازلهم»، إذ إن التسلط على خيارات الناس وحياتهم، والاعتراض على حرياتهم لأسباب متعلقة بفهم ضيق أو مشوه للدين والعادات والتقاليد، لم يعد أمراً مقبولاً من أحد، فيكفي أن يبرهن المعترض على صدقه بأن يلزم بيته ويتوقف عن إزعاج الآخرين بقناعاته، وأظن أن هذا ما أراد أن يقوله معالي رئيس هيئة الترفيه الأستاذ أحمد الخطيب بشكل غير مباشر لهذه الفئة المزعجة في اللقاء المهم الذي أجرته معه وكالة رويترز للأنباء أمس الأول.

ليس من مهام الدولة أن تقنع أحدا بتغيير فهمه الخاص للعادات والتقاليد والمنكر والمعروف، هذا شأن خاص به وحده، لكن من واجب الدولة أن ترفض الاستجابة لدعوات ومشاغبات صاحب ذلك الفهم الضيق على حساب حياة بقية أفراد المجتمع، ومن واجبها أيضا أن ترفض رهن اقتصادها وحركة أسواقها وخيارات مواطنيها لرأي فئة معقدة تتبنى خطاباً متطرفاً لا يتفق مع سماحة الإسلام، حتى وإن تدثرت تلك الفئة بشعارات دينية توظفها لخدمة مصالح خاصة وأحيانا لأهداف سياسية، فالأمر لا يعدو كونه مشابها لحادثة «رفع المصاحف على الرماح» قبل 14 قرناً، والعاقل يدرك ذلك جيدا، ويدرك أيضا أن هذه الفئة أعلى صوتاً من حجمها الحقيقي بمئات المرات وجميع الأحداث الاجتماعية منذ تأسيس المملكة تؤكد أنها فئة شاذة متسلقة على حقوق الناس ولا تمثل الثقافة الجمعية للسعوديين مهما ادعت ذلك.


قال الخطيب في لقائه إن غالبية السعوديين يؤيدون خطوات هيئة الترفيه ويحضرون فعالياتها، كما أكد أن الفئة المعارضة لا تشكل ثقلاً في المجتمع، مشيراً إلى أن نحو 80% من المواطنين يسافرون للخارج ويزورون دورالسينما ويحضرون الحفلات الفنية، و«يمكن للمحافظين ببساطة التزام منازلهم إذا لم يهتموا بالفعاليات»، وهذا ما كنا نقوله ونردده في مقالاتنا منذ سنوات، ولطالما هوجمنا بسببه من قبل حسابات المتطرفين في شبكات التواصل وغيرها، لكن المبهج أن الخطاب الرسمي اليوم يؤمن بهذه الحقيقة ويضع إستراتيجيته بناء عليها، وهذا برأيي انتصار كبير تأخر كثيراً لكنه أتى ليؤكد أن الزمن لا يتوقف مهما حاول دعاة التطرف والتخلف تعطيله.

أنا فخور جدا بتصريحات الخطيب، فخور لأنها تجاوزت التصريحات الضبابية التي كانت تجامل فئة من الناس على حساب اقتصاد الوطن وخيارات المواطنين، وأعتقد أنها امتداد حقيقي لمدرسة مهندس رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحت قيادة ملك الحزم وولي عهده الأمين، وليس أجمل ولا أكثر إثارة للفخر من أن يكون الخطاب الرسمي يمثل المجتمع تماما كما هو اليوم.