-A +A
عزيزة المانع
من يراقب ردود أفعال كثير من العرب، يلحظ عليهم غلبة التطرف الانفعالي في الأفكار والألفاظ والتصرفات.

مثلا، بعد أن اشتعلت ظاهرة الإرهاب والعنف المتدثرة باسم الدين في البلدان العربية، تعالت أصوات كثيرة تنسب ما يحدث من جرائم القتل والإرهاب بأيدي بعض الشباب، إلى تأثرهم بكتب الدين المقررة عليهم في المدارس، فتلك الكتب تعزز كراهية الآخر وتحرض على العنف، وأن علاج ذلك يكون بإلغاء تدريس الدين في المدارس والاكتفاء بتدريس الأخلاق والقيم بدلا عنه!


ثقافة التطرف، لا ترى خيارا سوى تدريس الدين أو عدم تدريسه. فهذه القاعدة التي يسير عليها كل المتطرفين، ميل إلى اليمين، أو ميل الى اليسار، ولا شيء غيرهما! ببساطة تامة، وثقة مطلقة، صدر الحكم بأن كتب الدين هي سبب الإرهاب والعنف، وأن لا خلاص من تلك الشرور إلا بإلغاء تدريس الدين!

ثقافة التطرف تطالب بمحو كتب الدين بأكملها! لم تقل أن ما تضمنته بعض كتب الدين من قيم الكره والتحريض على العدوان والعنف، كان إضافة محشورة في تلك الكتب في صورة شروحات وتعليقات وهوامش، ليس شيء منها في المتن، وأنها في حاجة إلى أن تنقى من تلك الشوائب الضارة التي أضيفت إليها، ثقافة التطرف لم تقل شيئا من هذا، وإنما مضت تطالب بإلغاء مقررات الدين، وإحلال مقرر لتعليم الأخلاق بدلا عنها!

في هذه الأيام ترتفع في مصر ضجة أحدثتها إحدى الفضائيات المصرية عندما أعلنت في أحد برامجها أن وزارة التربية والتعليم في مصر قررت إلغاء مادة التربية الإسلامية والتعويض عنها بتدريس كتاب (القيم والأخلاق والمواطنة) في جميع المراحل التعليمية. وبدت مقدمة البرنامج مبتهجة بهذا التغيير، كما لو أنها ضمنت بذلك القضاء على الإرهاب والفساد، والتحول في لحظة إلى عالم من النقاء لا تجد فيه سوى السلام والصدق والأمانة والعفة!

من التطرف الصريح، الظن أن تدريس كتاب في الأخلاق والقيم، قادر على إصلاح أخلاق الناس، ولو أخذنا أمريكا مثالا لوجدنا أنها لا تدرس علوما في الدين، وتقتصر على تدريس الأخلاق، فما النتيجة التي حصدتها؟ هل يعد مستوى الأخلاق مرتفعا في أمريكا؟

قد يكون هناك تميز في جانب الأخلاق المتصل بالانضباط والأمانة وإتقان العمل واحترام الآخرين وتأدية الحقوق وما شابه ذلك، لكن هذا التميز ليس بفضل تدريس الأخلاق وإنما هو يجير إلى الأنظمة الصارمة التي تطبق على من يخالف ذلك.

التعليم الديني مملوء بالقيم الأخلاقية العليا، التي لو أحسن تقديمها للطلاب لساعدت على إكسابهم السلوك الاجتماعي المطلوب، فتدريس الأخلاق من منظور ديني يساعد على اعتناقها وتطبيقها، أكثر من تدريسها من منظور دنيوي مجرد، فالخوف من الله وانتظار الأجر والمثوبة منه هي عوامل قوية تحرض على الاستجابة والتفاعل مع الخلق الكريم. لكن ثقافة التطرف، لا ترى خيارا سوى الميل أقصى اليمين أو أقصى اليسار!