-A +A
عزيزة المانع
من العادات التي ألفناها في المحافل الرسمية وفي حفلات الأعراس والحفلات الاجتماعية وغيرها، أن تحجز المقاعد الأمامية لفئات معينة من الناس وفقا لمناصبهم الوظيفية أو لوجاهتهم الاجتماعية، وقليلا ما يقدم أحد للجلوس في المقاعد الأمامية تقديرا لسنه أو لتميزه العلمي، فارتبط في أذهان الناس المقعد الأمامي بالمنصب العالي والمكانة الاجتماعية المميزة.

وحين يضم المكان نساء ورجالا كالمؤتمرات والندوات، فإن القاعدة المتبعة أن تخصص المقاعد الأمامية لجلوس الرجال والخلفية للنساء، وذلك وفق ما توارثناه من عادات، فمن العادات التي توارثناها، أن تكون الأماكن الخلفية خاصة بالنساء، فالنساء يدخلن من الأبواب الخلفية، ويستقبلن في المجالس الخلفية، ويركبن السيارة في المقعد الخلفي، ومتى ترافقن مع الرجال في الطريق، سرن خلفهم!


بعض المتحذلقين يرجعون هذه العادة إلى أصل ديني، فيربطون بينها وبين وضع النساء والرجال في الصلاة، حيث تقف النساء خلف الرجال، فذلك أستر لهن، وهو يدل على أن تخلف المرأة عن الرجل هو الأصل، ولهذا من الصواب تطبيقه في كل حال وفي كل مكان يجمع بين النساء والرجال.

مرت قرون طويلة والنساء صامتات أمام هذا التقسيم المكاني ما بين أمام وخلف، لكن كل صمت لابد له من بتر، ويبدو أن أوان بتر الصمت قد حان على يد الحفيدات حيث يقال والعهدة على الرواة، أن بعض السيدات اللاتي كن حاضرات أحد المحافل الرسمية التي أقيمت قبل أسابيع قليلة، بادرن إلى احتلال المقاعد الأمامية، ولما جاء من ينبههن إلى أن الصفوف الأمامية للرجال فقط، وأن عليهن التقهقر إلى الخلف، رفضن القيام من أماكنهن وأصررن على البقاء في الصفوف الأمامية، حيث رأين في تخصيص المقاعد الأمامية للرجال والخلفية للنساء، رمزا للانتقاص من النساء.

هذا التمرد النسائي على البقاء في الخلف، بدا لبعض الناس سلوكا مخيفا، ينذر بتغييرات أخرى قادمة، فاستثار غضبهم وعدوه جريرة عظمى وقعت فيها النساء! وسرعان ما ربط بين تصرفهن والدين، فطالما أن مكان المرأة في الصلاة خلف الرجل، فعليها أن تلتزم بأن يكون مكانها خلفه في كل شيء!

بقاء المرأة خلف الرجل، يعطي له شعورا بالتميز، ويبعث فيه الإحساس بالفوقية عند احتلاله المقعد الأمامي دونها، لذا فإن أي محاولة لسحب هذا الامتياز منه تستثير غضبه.

ولكي يكون الغضب مبررا، لابد من نسبته إلى الحمية الدينية، حتى يبدو الإصرار على قذف النساء في المقاعد الخلفية أمرا متعلقا بالأخلاق والستر ولا علاقة له بالذات القلقة على فقد تميزها!