-A +A
مها الشهري
انتشار الفساد الذي تعاني منه أكثر المجتمعات؛ كان سببا في إفراز الكثير من المشكلات التي جعلت فئة من الناس تعيش واقعا اقتصاديا مريرا لا يقف عند الحاجات وإشباع الحاجات فقط، إنما أصبحت ظاهرة تعكس حالات الكثير من المحتاجين الذين يتسولون العلاج والخروج من دوائر الفقر والفاقة، وحين فقد الإنسان حقوقه الأساسية طغت مظاهر الاستجداء التي لا تنتهي ولم يوضع لها أي حل.

بالنظر إلى دور الثقافات النخبوية وخصوصا الدعوية، سنجدها لا تختلف عن الثقافة العامة إلا في شكل الدور الذي تؤديه بل إنها تعاني من العيوب ذاتها في أكثر المواضع، أي أنه يمكن وصفها كصناعة ثقافية تحقق مصالح المنسجمين مع مكاسبهم، فالناس يعولون مشكلاتهم غالبا إلى سوء حظوظهم أو نتيجة لمشكلات أخلاقية وقعوا فيها، حين لا ينظرون ولم يبصروا بالأسباب الحقيقية التي جعلتهم يعيشون في تلك المآسي، فينظرون إليها كجزء من أقدارهم المسلم بها، وبالتالي انقلبت «فلسفة الدعاء» من طريقة يكتسب بها الناس قوتهم من الله؛ إلى وسيلة ترسخ ضعف الإنسان وعجزه واستسلامه لأوضاعه مهما كانت بائسة، حينها يصل الإنسان إلى حد يرى فيه بأن المرض مثلا، لا يخرج عن دائرة حظه السيئ ونتيجة لعثراته الأخلاقية، ما يجعله مضطرا للانطواء تحت حالة تستبعده عن التوافق النفسي والاجتماعي مع الحياة ومن هم حوله، وهذا ما يخالف جوهر الدين، حيث أصبح الإنسان يطلب المساعدة من الله على طريقة الضعيف والعاجز، قليل الصلة مع خالقه في الأوقات التي يعيش فيها مطمئنا، برغم أن «الدين» هو محور التعبير الأكثر بروزا في أطروحات الحراك الثقافي والفكري إلا أنه الوسيلة الأقل إقناعا.


هناك وجود دائم لفلسفات الصلاح والفساد، والتحفيز للتمتع بالقوة الجسدية والنفسية والاستمتاع بالحياة ومقاومة المشكلات في كل الثقافات، حتى وإن كانت بعض تلك المناهج الروحانية لا تفرض نمطا للمصدر الدعوي، إلا أنها تحفز ارتباط الإنسان بمصدره الذي يؤمن به على طريقة تشحذ الهمة وتطور فكر الإنسان ومعرفته نحو وجوده، كذلك هو الأمر في نصوص الدين، فإن كان البؤس موجودا على قبيل ضعف الخدمات التي يتلقاها المواطن البسيط، فتأثير ثقافة النخب أشد بأسا حين جعلت العبادة الحقة، التي تفترض الإخلاص والقوة، تتحول مصدرا للدروشة وضعف الحال وأمنيات الآخرة دون الدنيا على نقيض العنف الذي يؤخذ على خلفية أخرى، لكن العبرة في هذه المسألة هي المحك الذي يقع بين المسؤولية في تبصير الناس بشؤون دينهم ودنياهم وبين الهيمنة عليهم لتحقيق التبعية من الضلال.