-A +A
أحلام محمد علاقي
سكنت في فترة من الزمن في مجمع سكني في دبي يضم سكانا من كافة أرجاء العالم. وكان رمضان يأتي والجميع بلا فرق يأتون ليهنئوني عليه حاملين التمر أو المعمول أو الحلويات العربية التي يجتهدون بانتقاء الجيد منها.

كانت لدي جارات من الهند والصين وأستراليا وإيطاليا وتشيلي ومصر ولبنان والجزائر والسويد وايسلندا واليابان وسويسرا والأردن وأفريقيا الجنوبية والمكسيك ولاتفيا وروسيا وسلطنة بروناي - وأماكن أخرى كثيرة من العالم لا يمكن كانت أن تجتمع عادة في حيز سكني واحد. وكنا جميعا أصدقاء فكانت فرصة لا تتكرر في الحياة بقرب من أشخاص لا يمكن كانت الظروف الطبيعية تجمعهم بهذا القرب. كنا نتزاور ونتبادل الثقافات والخبرات. كانت جارتي الإيطالية كاثرينا ترسل لي جبنة ريكوتا طازجة تصنعها هي في المنزل. وكنت أرسل لها أطعمة عربية كانت تحبها. وكانت بيرنيلا جارتي السويدية تعشق القهوة العربية بالهيل فكنا نجلس في مطبخي المطل على حديقة جميلة فسيحة مليئة بالورود نشرب القهوة ونأكل «البيبركاكور» وهو البسكويت الرقيق السويدي التي تحضره معها وهو بنكهة الزنجبيل والقرفة. تحدثني وأحدثها كل عن ذكرياته وخبراته.


وكان من أجمل ما يميز هذا المجمع السكني روح التآلف والتعاون بين السكان واحترام ثقافات ومناسبات ومعتقدات وممارسات الغير سواء كانت اجتماعية أو دينية أو ثقافية.

كان الهنود يحتفلون بعيد «الديفالي» أو الديوالي وفيه يستبشرون بشراء الذهب ويعتبرونه فألا جميلا للعام كله. فترى الجارات الهنديات مكللات بالذهب ويعرضونه علينا بفرح، وترى والمسيحيون يحتفلون بعيد الفصح وينشغلون بتزيين البيض والشوكولا الملونة وغيرها من مظاهر الإحتفال. وللروس احتفالاتهم أيضا. والصينيون يحتفلون بعامهم الجديد في وقت غير الجميع ويدعوننا إليه. وكانت السوبرماركتات والأسواق تتخذ من هذه المناسبات فرصا لتسويق المنتجات المستخدمة تقليديا في كل من هذه الاحتفالات. فترى في الأنوار والأطعمة والحلويات المختلفة التي لن تراها في مكان واحد بالعالم عادة.

وكان الجميع تقريبا يساهم في تهنئة المسلمين بأعيادهم كما ذكرت في رمضان والعيدين.

ومن الأفكار الجميلة التي وجدتهم يطبقونها فكرة ثلاجة رمضان. فقد قام بعض السكان من الكمباوند بوضع ثلاجات زائدة عن حاجتهم أمام منازلهم أو في الجراج في الظل لإتقاء الشمس. وكانوا يملأونها في رمضان بكافة أنواع المشروبات والمياه والمأكولات التي يمكن لأي عابر سبيل الأخذ منها. كانت هناك فواكه وساندوتشات وأطعمة مسبقة التحضير وحلويات وتمور وألبان. وكان أي عابر سبيل يمكنه الأخذ منها. بدأت الفكرة بمجهودات السكان أنفسهم. وبعدها وجدت بعض الشركات أنها يمكن أن تستغل الفكرة في الدعاية. فبدأت بعض شركات الإلكترونيات والأدوات الكهربائية بالتبرع بالثلاجات وإهدائها لمن يريد أن يضعها كثلاجة رمضانية خارج منزله. ثم بدأت بعض شركات الألبان والمشروبات بعرض منتوجاتها مجانا كدعاية لدعم الثلاجات الرمضانية. كانت فكرة جميلة استفاد منها الكثيرون ممن كانوا يعملون في الكمباوند من فقراء المزارعين وعمال النظافة وعمال الطرقات والبناء وغيرهم من الناس الذين ربما باغتهم أذان المغرب وهم بعيدون عن منازلهم وأرادوا الحصول على رشفة ماء تسد ظمأهم.

والجميل أن الكثير من غير المسلمين كانوا يساهمون بوضع هذه الثلاجات ودعمها بالمأكولات والمشروبات. وأتمنى أن نرى هذه الفكرة تنتشر حولنا في رمضان وغيره - وقد سمعت ورأيت صورا عن تطبيق مماثل في بعض أماكن المملكة - ونتمنى أن نرى المزيد وأن نساهم جميعا كل حسب قدرته في مساعدة الصائمين وقهر الجوع وحفظ الكرامة.

في العالم - وربما حولنا ونحن لا نعلم - الكثير ممن يعانون من الجوع والحرمان. ففي رمضان فرصة لا تعوض لنا برسم بسمة على وجه محتاج أو محروم أو مضطر. فلنغتنم هذه الفرصة وننال عظيم الأجر بإدخال الفرحة على قلب إنسان. وكل عام وأنتم بخير مقدما.

altawati@gmail.com