-A +A
غسان بادكوك
gbadkook@

لم يكن يوم الأحد الماضي يوماً عادياً في حياة السعوديين، بل كان استثنائياً بامتياز، ففيه ازداد يقينهم بأن البلاد تسير في توجّهها الجديد بشكل صحيح؛ أمّا السبب فهو إطلاق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية 10 برامج ذات أهمية إستراتيجية، ضمن رؤية 2030، من شأن تنفيذها- بكفاءة- أن يحقق أهدافا وطنية لم يكن من السهل مجرد تخيّل إمكانية وضعها في الاعتبار قبل عام من الآن، والملفت أن مستهدفات تلك الحزمة التنموية لا تتوقف عند الاقتصاد والمال بل تشمل اهتمامات كافة أفراد الشعب السعودي، بمختلف أوضاع معيشتهم وشرائح أعمارهم واتجاهاتهم الفكرية ومستوياتهم التعليمية والعملية.


وبعد يومين فقط من الحفز الإيجابي الذي تركته البرامج الجديدة في نفوس المواطنين، حالف التوفيق فارس رؤيتنا وعرّابها الشاب الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد عبر لقاء تلفزيوني مهم، في تجديد الأمل بقدرة المملكة على المضي قدماً؛ بثبات قوي وثقة كبيرة تجاه (عصرنة) البلاد ونقلها لمصاف الدول المتقدمة تقنياً والمتنوعة اقتصادياً والمنفتحة ثقافياً، بعد تخلّصها من معظم القيود (الوهمية) والعوائق المفتعلة؛ التي حالت طويلا دون لحاقها بركب التقدم العلمي والتنافسية الصناعية والاقتصاد المعرفي والانفتاح غير المتعارض مع الدين والقيم.

ولو أمعنا النظر في المحاور التي تناولها سموه خلال اللقاء، وفي أهداف (المحرّكات) العشرة الجديدة، سنجد أنها تلتقي جميعاً عند هدفين رئيسيين؛ هما، بناء الإنسان السعودي في المقام الأوّل، باعتباره (الأصل) الأهم والأعلى شأناً من بين جميع الأصول والموارد التي تزخر بها البلاد، قبل أن تنتقل بعد ذلك لتحقيق أهداف صناعية واقتصادية متعددة، بمعنى أن رفع جودة حياة المواطن وتحسين معيشته هو ما يتصدر اهتمامات قيادتنا، بدءا بضمان توفير خدمات صحية جيدة المستوى، ومروراً بتيسير السكن الملائم وفرص العمل، وانتهاء بإتاحة الترفيه المباح الذي حُرم منه المواطن طويلاً؛ بدون سبب منطقي!.

المضامين الأبرز- برأيي - في لقاء سمو الأمير ليس المحاور بحد ذاتها - رغم أهميتها - بل هي تفعيل إرادة التغيير المقرونة بديناميكية اتخاذ القرار، ثم إرساء تقليد مهم يتمثل في حرص كبار مسؤولي الدولة والحكومة على التواصل المباشر والمنتظم مع الناس؛ بشكل غير مسبوق، وإطلاعهم بكل شفافية وتلقائية على المستجدات، أما المميز في الإثني عشر برنامجا المعلنة حتى الآن فهو سعيها لتحقيق تطلعاتنا المشروعة التي طالما رددها المواطنون وعبّرنا عنها كُتّابا ومتخصصين ومثقفين ومفكرين؛ عبر مختلف المنابر ولكن للأسف كان يتم تجاهلها بشكل غريب!، رغم كونها من البديهيات، التي يدركها المواطن العادي ناهيك عن المتخصص أو المثقف والمراقب.

والغريب أن أجيالاً متعاقبة من كبار التنفيذيين السابقين الذين حمل بعضهم أعلى الدرجات العلمية، كانوا لا يُعيرون دعواتنا تلك اهتماماً يذكر، بل إن البعض منهم لم يكلّفوا أنفسهم حتى مجرد عناء توضيح أسباب تجاهلهم لتلك المطالب؛ وهو ما ترتّب عليه جمود ملحوظ وتكاليف مرتفعة وخسائر باهظة؛ تكبّدها الوطن بسبب ذلك التجاهل وتلك اللامبالاة، ومن أبرز المطالب التي تم تجاهلها مراراً، والتي يعمل سمو الأمير محمد على تحقيقها؛ في مدى زمني لن يتجاوز عام 2020، ما يلي:

1. إنشاء صندوق ثروة سيادي بالمفهوم المعروف؛ يضمن تحقيق عوائد جيدة ترفد ميزانية البلاد.

2. تحقيق التوازن بين إيرادات الدولة ومصروفاتها، وإعادة هيكلة الدعم وتوجيهه للمستحقين فقط.

3. رفع كفاءة احتياطيات البلاد المالية المستثمرة خارجياً بعوائد ضئيلة؛ تقل غالباً عن نسبة التضخم!.

4. زيادة المبالغ المستثمرة محلياً من الثروة السيادية بدلاً عن تكديسها في الخارج في أدوات هزيلة العائد!.

5. تقليل الاعتماد على موارد البترول، وزيادة دخل الدولة المتحقق من المصادر غير النفطية.

6. الاستفادة من الثروات المعدنية الهائلة التي تختزنها أرضنا وتوظيفها في صناعات متقدمة.

7. تسريع تملّك المواطنين لمنازلهم، واستخدام أحدث تقنيات البناء، وتعزيز جاذبية القطاع للمستثمرين.

8. تطوير مناهج التعليم، والارتقاء ببنيته البشرية والمادية، واستخدام الأساليب التعليمية الحديثة.

9. التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة من المصادر المتعددة والمهملة؛ التي نمتلك فيها مزايا نسبية كبيرة.

10. رفع الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة لزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين وإثراء تجربتهم.

11. تطوير قطاعنا المالي وفتح سوقنا المالية للمستثمرين الأجانب وإدراج شركات دولية فيه.

12. إطلاق برنامج التخصيص لتحسين جودة الخدمات وتحريرالأصول الحكومية وجذب المستثمرين.

13. توطين الصناعة عموما والعسكرية تحديداً، وزيادة الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز، وتطوير الخدمات اللوجستية، وحفز الصادرات.

14. تركيز الحكومة على الدور التشريعي والتنظيمي، وزيادة المحتوى المحلي، مع حفز القطاع الخاص لزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.

ويمكنني القول الآن إن برامج رؤية المملكة (سواء ما أُعلن عنها أو ما سيتم إطلاقه لاحقاً) هي بمثابة ثلاث خطط إستراتيجية مرحلية؛ متتالية التوقيت ومترابطة النتائج؛ مدّة كل منها خمس سنوات، وسيستغرق تنفيذها 15 عاما؛ بدأت العام الماضي وستكتمل عام 2030 بإذن الله، ولكنها خطط لا تشبه خططنا الخمسية السابقة التي وإن أسهمت في تحقيق بعض التقدم إلا أنها لم تحقق العديد من أهدفنا الوطنية الرئيسية؛ وإنما هي منظومة من الإصلاحات الشاملة وغير المسبوقة؛ تمثل نقلة تنموية نوعية؛ تراعي الاحتياجات الفعلية، وتتعامل مع الواقع وتحدياته، وتستجيب للمتغيرات المتسارعة محلياً وإقليميا ودولياً وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والمجتمعية.

ويبقى العامل الأهم في الفترة القادمة هو كفاءة الخطط اللازمة لتحويل البرامج المعلنة إلى نتائج على أرض الواقع، ومتابعة تنفيذها بدقة، وتصحيح أية انحرافات قد تحدث خلال التطبيق؛ وفق معايير واضحة ومؤشرات قياس دقيقة، مع ضرورة دراسة انعكاساتها المختلفة؛ وذلك تجنباً لأي آثار سلبية محتملة.

gbadkook@yahoo.com