-A +A
عبداللطيف الضويحي
لا يمكن الجمع دائما بين الفشل والنجاح في يد واحدة. فلا يمكن أن تنجح نجاحا باهرا في مجال وتفشل فشلا ذريعا والبيئة واحدة والمرجعية واحدة، ولا يمكن أن تجمع بين العشوائية والفوضوية في يد والتخطيط والتنظيم ورسم الأهداف والإستراتيجيات في يد واحدة، فتنتظر معجزة لحل لغز المنتجات النهائية.

لا أظن أنني أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن أسوأ نموذج للجمعيات السعودية الأهلية والقطاع الثالث عموما هو نموذج الجمعية الوطنية للمتقاعدين، وإن أسوأ تجربة يمكن الاستشهاد والبرهنة على فشلها إداريا وتنمويا واجتماعيا هي تجربة الجمعية الوطنية للمتقاعدين، رغم كل ما يتوافر لها وبها من فرص نجاح قد لا تتوافر لغيرها من جمعيات ومؤسسات في القطاع الثالث.


نعم.. هناك نماذج فشل كثيرة يعج بها القطاع الثالث السعودي، لكن الذين عاصروا الطموحات الكبيرة والجهود المضنية التي ولدت معها وانطلقت بها الجمعية الوطنية للمتقاعدين، والذين حملوا لواء النهوض بحاضر ومستقبل المتقاعدين كشريحة عريضة ومتنامية في المجتمع السعودي يدركون حجم الانتكاسة ومبلغ خيبة الأمل التي تكسرت على صخورها سفينة تلك التطلعات وحجم التيه الذي وصلته بعد أن تعاقبها بعض الربان الذين لا يعرفون من الإدارة سوى الوجاهة وربما مآرب لا يفصحون عنها‍. لقد انزلقت الجمعية الوطنية للمتقاعدين بكل طموحات الرعيل الأول إلى وحل عميق وتنتظر تدخلا يرمي لها بحبال الإنقاذ فيعيدها إلى مسارها الصحيح والجادة الطبيعية.

قد يكون نظام الجمعيات سببا من أسباب هذا الفشل لهذه الجمعية وربما مع غيرها من جمعيات ومؤسسات القطاع الثالث، وقد تكون بعض العقليات الإدارية التي تدير تلك الجمعيات عاجزة عن فهم معنى القطاع الثالث، فتسببت ذلك بفشل وتعطيل هذا القطاع وهدر موارده البشرية والمالية، لكن المؤكد أن تدخلا ما أصبح حتمياً وضرورياً وملحَّاً لوقف هدر الفرص ولإنعاش قلب القطاع الثالث وشرايينه وأوردته في المملكة ليس بالترقيع وتشكيل مجالس إدارة مؤقتة، إنما بالتدخل مؤسسسيا وتشريعيا أو إداريا وتقنيا لإطلاق القطاع الثالث ووضعه على السكة الصحيحة أسوةً بغيره من القطاعات، بل ولوقف هدر واحدة من موارد المجتمع الحيوية والمتمثلة بفئات مثل المتقاعدين وغير المتقاعدين بما يعود عليهم وعلى المجتمع والسوق المحلي ككل بأفضل الحلول الاجتماعية والاقتصادية فضلا عن الحياة الكريمة لهم ولأسرهم.

من نافلة القول الإشارة إلى أن القطاع الثالث دخل ضمن اهتمامات الرؤية 2030 حيث من المقرر أن يسهم هذا القطاع بنسبة 5% في الناتج الإجمالي فضلا عن إسهامه المتوقع بعشرات آلاف الفرص الوظيفية خلال سنوات الرؤية 2030، لكنني لست متأكدا من إصلاح ونجاح القطاع الثالث وتحقيق الدور المخطط له في الرؤية، مادام يعمل تحت إشراف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، معقل البيروقراطية وحاضنة «مشي حالك» لأن فاقد الشيء لا يعطيه ببساطة.

في ظني لا بد من سلخ القطاع الثالث تماما عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تحت مظلة تشرف عليها هيئة مستقلة تتمتع بمرونة إدارية ومالية. من المهم أن يكون على رأس تلك الجمعيات والمؤسسات مديرون تنفيذيون بكفاءة مديري القطاع الخاص، ولا يمكن ترك المسألة للعشوائية والعقلية التقليدية القاصرة لفهم العمل التطوعي.

هناك أسئلة لا بد من مواجهتها عند مراجعة أو دراسة تاريخ جمعية مثل الجمعية الوطنية للمتقاعدين، فلماذا المتقاعدون إلى الآن هم خارج النظام الصحي؟ ولماذا المتقاعدون إلى الآن هم خارج النظام المالي والبنكي؟ ولماذا المتقاعدون إلى الآن خارج النظام الاجتماعي؟ بل لماذا المتقاعدون إلى الآن خارج منظومة الموارد البشرية؟ من المسؤول عن كل هذا التهميش الاجتماعي والاقتصادي للمتقاعدين؟ هل هي مؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية أم هي أنظمة الصحة والمالية والشؤون الاجتماعية والعمل؟ أم هي الجمعية الوطنية للمتقاعدين؟

ربما يجدر بنا أن نسأل في الختام سؤالا لا بد من مواجهته قبل كل الأسئلة وهو هل المتقاعدون كائنات اجتماعية أم هي كائنات اقتصادية؟ ولماذا لا يكون المتقاعدون كائنات اجتماعية واقتصادية كسائر المواطنين والبشر الذين فهموا قيمة المتقاعدين وقدراتهم فأسندوا لهم مهمة إعادة كتابة تاريخ الوطن ومراجعته؟.