-A +A
طارق فدعق
«جزاء المعروف سبعة كفوف» هو من أجمل الأمثلة وأكثرها انتشارا في العالم العربي. ستجده في العديد من الدول بأشكال مختلفة فبعضها لا تحدد عدد الكفوف فهي مفتوحة.. ولكن أعتقد أن السبعة كفوف ربما هي الحد الأعلى للمعروف الواحد والله أعلم.. وفضل الملاحظة أنه لا يوجد تحديد لتوقيت الكفوف، فليس بالضرورة أن يكون واحدا تلو الآخر.. والوضع المنطقي هنا هو أن تتباعد لأن سبعة كفوف متتالية صعب قبولها دفعة واحدة.. وقصص نكران الجميل التاريخية كثيرة جدا، وبعضها غريبة جدا، والكثير منها تستحق وقفات تأمل. واخترت لكم التالي: إحدى أهم الوثائق التاريخية عند اليهود هي «مخطوطة سراييفو» الشهيرة باسم «الهقادة» ومعناها بالعبرية «تمرير المعلومة للأجيال». وقصتها عجيبة: الوثائق التاريخية اليهودية تمنع التصوير والرسم للأشخاص والأجسام. ولكن هذه الوثيقة احتوت على الرسومات لقصص التوراة المختلفة، من سفر التكوين الى قصة سيدنا موسى مع اليهود. وقد تمت كتابتها في الأندلس في ظل الحضارة الإسلامية. وتعتبر من القطع الفنية الحضارية الثمينة في تاريخ اليهود. بالإضافة الى استخدام الرسومات لشرح القصص، تم استخدام الورق الأندلسي الفاخر الذي اخترعه علماء المسلمين. وكانت نوعيته متميزة عن أي نوع آخر من الورق في العالم. واستخدمت أيضا الألوان الزاهية المتميزة التي اخترعها علماء الأندلس والتي كانت تنتج عن أسرار نظرا لأن مصادرها كانت طبيعية، وكان كل لون يتطلب مشقة في العصور على المصدر، واستخراجه، وتحضيره. اللون الأحمر على سبيل المثال كان يتطلب العثور على نوع معين مع الحشرات. يتم تجميعها وتغذيتها أحد أنواع نبات الصبار، ثم عصر آلاف من تلك الحشرات لتخرج العصارة الحمراء الجميلة. وكانت هذه من الأسرار المهمة جدا التي لم تنتشر حول العالم لمئات السنين. وكل لون من الألوان كان له سر.. وحكاية.

وعند سقوط الأندلس نهائيا عام 1492 تعرض اليهود للاضطهاد الشديد على يد الحكام الأوروبيين، وهرب العديد منهم إلى دول أوروبية أقل قسوة عليهم مثل هولندا، وألمانيا، وبولندا. وخلال ذلك التحول العرقي في أوروبا، تم تهريب هذه المخطوطة الثمينة إلى أوروبا.. ظهرت في بعض المدن الإيطالية لوهلة في ومضات سريعة ثم استقرت في سراييفو في يوغوسلافيا وأصبح اسمها «هقادة سراييفو».. طيب وما علاقة هذا بالكفوف؟ نشأت هذه الوثيقة كمجموعة أفكار تثقيفية في بيئة التعايش السلمي التي وفرتها الأندلس التي ارتقت بالحضارات والأديان المختلفة، واهتمت بذاكرة تلك الحضارات من خلال طباعة الكتب. ووفرت الحضارة الإسلامية أيضا تقنيات صناعة الورق والألوان. ثم حافظت مجموعات من المسلمين في أوروبا على الوثيقة عندما كانت مهددة. وجدير بالذكر هنا البوسني الأستاذ «درويش كركوت» وأسرته الذي كان مسؤولا عن المكتبة المركزية في سراييفو. وكانت مصادر التهديد الأساسية هي بعض الحكومات المعادية للسامية وأهمها النازية. واليوم نسي الصهاينة هذه المواقف ونسوا المعروف.


أمنيــــة

من المحزن أن نكران الجميل ورد المعروف بالأذى قد أصبحا من الأمور التي لا تثير دهشتنا. أتمنى أن نبرمج حضارتنا لعدم تقبل هذه الممارسات المخزية التي لا ترضي الله.. وهو من وراء القصد.