-A +A
عبده خال
أجد نفسي متضامنا مع مدير مدرسة الرازي الابتدائية بتبوك، وأقف أمام قرار وزير التعليم باعتباره قرارا تعسفيا يخلو من أي حكمة أو دراية بما يحدث في أرض الميدان... ولأن الطرف الأضعف في المعادلة التعليمية هو المعلم إذ تنهال عليه كل انتكاسات التعليم ويخرج الجميع من دائرة اللوم ليبقى المعلم هو الوحيد الملام.

ولأني قادم من الميدان التعليمي أعرف تماما مقدار الإحباط الذي يلازم المعلمين جراء تعنت الوزارة تجاه أي تقصير يحدث، وتحميل المعلم مسؤولية ذلك حتى ولو كان الحادث (سقوط حمار في أرض الرافين).. هذه ليست سخرية، بل حقيقية، فخلال السنوات الماضية تم سلب المعلم كل الحقوق التربوية والتعليمية حتى غدا شيئا لا يذكر.. وكل القرارات التي تصاغ في المكاتب يلقى بها على رأس المعلم من غير الدراية بما يحدث في الميدان، ولو كان هناك احترام لمعلم -ولو جزئيا- كان بالإمكان إدخال المعلم في صنع القرارات لكي تتحقق الأهداف، فليس لدى الوزارة أي استعداد في أن يكون للمعلمين (ممثلون لهم) ضمن مداخلات الوزارة؛ لذلك تكون المخرجات غير متناسقة أو متناغمة مع الميدان وبالتالي فشل تحقيق الأهداف.


هذه مقدمة لإعلام وزارة التعليم عما يكابده المعلمون من حرقة لم يلتفت لها كل الوزراء الذين مروا بالوزارة.

وقرار معالي وزير التعليم بإعفاء مدير المدرسة من منصبه كون الطلاب قاموا بتمزيق الكتب بعد انتهاء الاختبارات خارج أسوار المدرسة يعد قرارا قاسيا ولا يحمل تريث الحكماء، إذ به عجلة تسهم في إسقاط (ورقة التوت) التي لايزال المعلم يمسك بها كي لا تظهر سوءته.

ماذا يعني تمزيق الكتب أمام المدرسة؟

أولا هو فعل مستنكر له مدلولات تتنافى مع كل القيم الحضارية ولكنه في الوقت نفسه يفضح العملية التعليمية برمتها بأنها لم تستطع غرس القيمة (قيمة أي شيء)، فتمزيق الكتاب هو أول فعل لتمزيق أهداف الوزارة من سنواتها الأولى إلى آخر مرحلة تعليمية وصولا إلى تمزيق المستقبل؛ لأن هذا الطالب هو أساس كل الوظائف التي وصل إليها كل هؤلاء الممزقين..

نعم، تمزيق الكتاب معضلة الوزارة وهي لم توجد حلا لهذه الظاهرة خلال السنوات الماضية، كلنا خريجو مدرسة التمزيق (حتى الوزير نفسه كان طالبا ومزق أو رأى من يمزق)، كلنا مزق كتبه بعد الانتهاء من الاختبارات، ولو كانت هناك نظرة ثاقبة لربما توجهت الوزارة لمعرفة الخلل المهول بين ما تم تعلمه وبين ما استقر في النفس، والحقيقة أننا لم نغرس القيمة..

وعندما يتم إعفاء مير مدرسة يكون القرار مؤكدا على أننا نتعامل مع الظواهر وفق ما يقال عنها وما يطالب به الجمهور، فلو علم الوزير أن أمام كل مدرسة هناك طلاب يقمون بتمزيق كتبهم فهل يبادر بإعفاء جميع مديري مدارس البلد؟

الحل ليس في الإعفاء، ولا في شجب التمزيق، وإنما في البحث عن حل لما نحن فيه من إسقاط للقيمة.