-A +A
نجيب يماني
قالت الإيطالية كاي باركر ممثلة الأفلام المشينة «أتمنى أن أدخل الوسط السياسي لكني أخاف على سمعتي»، تذكرت هذه المقولة وأنا أرى عودة قلب الدين حكمتيار جزار كابل وأمير الحرب الأشرس إلى أفعانستان بعد عشرين عاما من الشتات، عاد وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه، رغم يديه الملطختين بقتل آلاف وتدمير كابل على رؤوس ساكنيها بعد أن أسقط عليها حكمتيار وأمراء الجهاد (1750) صاروخا، مازالت آثاره باقية حتى اليوم تحكي مأساة وطن، رفض التوقيع على اتفاقية السلام لحقن دماء الأبرياء. وعاد اليوم ليوقع الاتفاقية نفسها والتي رفضها سابقاً ودمر بسببها دولة أفغانستان محولاً صوت ساكنيها إلى عويل إنساني رهيب، مازالت الذاكرة مشبعة بما فعله من تدمير وقتل وتشريد خلال الحرب الأهلية التي أشعل فتيلها وأغرق أرضها وأهلها في أتونها المحرقة، مصراً على رفض انتخاب رئيس لأفغانستان من قبل مجلس شورى أهل الحل والعقد. فظائع دونها التاريخ كشاهد على إجرامه وأطماعه للوصول إلى كرسي الحكم وسدة الرئاسة باسم الدين الإسلامي. تقلب في علاقات مشبوهة مع القاعدة والجماعات الإرهابية والإخوان المسلمين والمخابرات الإيرانية التي عاش فترة في أحضانها حتى طرد منها بضغط من أمريكا. خدع حكمتيار زعيم جماعة الحزب الإسلامي العالم بأن مقاومته حقيقية وهي في الواقع مخادعة مغلفة بالطمع ظاهرها الجهاد وباطنها العذاب، جمع أكثر من ستمئة مليون دولار لمحاربة السوفييت واستخدمها في قتل مواطنيه وتشريدهم في صورة شوهت المعنى الحقيقي للجهاد وفضحت تجار الدم فقد كان جهادهم صورياً ممولا ومخططاً له من قبل أمريكا لإحراج الاتحاد السوفييتي كجزء من الحرب الباردة بين القطبين آنذاك، والذي دفع العالم ثمنه غاليا فيما بعد، وأخرج لنا وجوها امتهنت الإرهاب وحمل السلاح وأصبح لدينا قضية جديدة باسم العائدون من أفغانستان بجانب إرهاب القاعدة وطهران وطالبان. يؤكد هذه الحقيقة (كاسيت) بصوت الداعية سراج بن سعيد الزهراني عن المقاومة الأفغانية الكاذبة، وأن أفكار ومعتقدات زعماء الجهاد المزعوم في أفغانستان لا تتوافق مع بعض المفاهيم السلفية وأن ما نعيشه من إرهاب مرده تأثر بعض السلفيين بفكر الإخوان وما كان يدرس ويروى في مخيمات بيشاور، فالمجاهدون الأفغان كانوا يعتقدون في التمائم والأحجية وأنها تحفظهم وتقيهم من الهلاك، وأن الهالك عبدالله عزام الفلسطيني الذي ترك جهاد الواجب وذهب إلى أفغانستان طلبا للشهرة والمال، طلب من الداعية الزهراني تمييع مسائل التوحيد والسنة بحجة عدم إثارة الأفغان في هذه القضايا ويؤكد الداعية الزهراني أن الأفغانيين متعصبون للشرك وأنهم يعدون أن ما عليه السلفيون من مسائل التوحيد من الشرك أما الذي هم عليه من الشرك فيرونه توحيداً، وكان عزام يطلب من السلفيين ألا ينكروا على الأفغانيين مسائل التمائم لأنه يرى أن بعضها شرك وبعضها ليس من الشرك، ويتهم الداعية الزهراني بعض المجاهدين الأفغانيين بأنهم لا يصلون وأنهم جبناء يهربون عند اللقاء وكانوا يبيعون شباب المجاهدين القادمين للجهاد ويهددونهم بالقتل، والأهم في هذا الشريط أن عزام وجماعته من الإخوان كانوا ينشرون الخرافات باسم الكرامات لخداع الشباب وتجنيدهم في المعارك مثل ريح المسك التي تفوح من المقتول والحور العين التي تنتظر دورها لملاقاة الشهيد والحصى الذي يتحول إلى قنابل مدمرة للدبابات والصواريخ والتي رددتها منابر الصحوة وأبواقها باطلاً. إن عودة جزار كابل مكرماً بعد أن قتل مواطنيه ودمر وطنه، وما صاحبه من إطلاق عدد من سجناء حزبه واستقباله من قبل رئيس الدولة أشرف غني، وحذف اسمه من قائمة الأمم المتحدة الخاصة بالإرهابيين وتنقله كبطل في مناطق أفغانستان وسط أنصاره ومحبيه من أصحاب الذاكرة المخرومة، نسوا أن التاريخ مرآة تعكس ماضي كل إنسان وعمله. هذه العودة بكل ما يحمل صاحبها من تاريخ مليء بالدم ورائحة القتل والغدر عودة غامضة يسجيها الخوف والحذر خاصة كمن كان في غموض حكمتيار وتطرفه كبذرة موجودة في الذات مصاحبة لتكوينها الذي لا حد له. إن أفغانستان مازالت هشة تدور المعارك في أكثر من مدينة، تسيطر القوات الحكومية على 60% من البلاد والباقي لطالبان تمارس إرهابها الدامي وتعمل لعودة أفغانستان إلى عصور الظلام. لا أدري مدى الفائدة التي ستجنيها أفغانستان والعالم من السماح لحكمتيار جزار كابل بالعودة فهو الذي قد خبر الحرب ومارس مكرها وعاش غموضها وهوامشها السرية وثغرات التسلل إلى الشارع وتحريضه وتجيشه لصالحه فهو الأقدر على إتقان المطاردة والصيد في المياه العكرة وقنص الفريسة عندما تحين الفرصة، علاوة على أنه من المتأثرين فكريا وعقائديا بزعيم جماعة الإخوان المسلمين سيد قطب وهذا تأكيد ودليل على أنه لا يؤمن جانبه. إنها عودة غامضة تحمل في مضامينها أنه (لا أمان في السياسة) وتشرعن لمزيد من الإرهاب واستنزاف المزيد من الطاقات، والأهم أنها تحمي المجرمين وقتلة الشعوب وتعطيهم أملا للعيش من جديد وتكرس لقهر الشعوب المظلومة وتجعل الماضي المستمر في الحاضر المقتول.