-A +A
عزيزة المانع
ليس أمرا جديدا علينا أن نشاهد أحيانا بعض الطلاب في إثر انتهاء كل اختبار، يعبرون عن بهجتهم بإنهاء اختبارهم بقذف كتبهم الدراسية أو تمزيقها أو حتى حرقها في بعض المرات، ليس جديدا علينا هذا المشهد، فهو تقريبا يتكرر في نهاية كل عام دراسي، وكنا ننظر إليه كحدث معتاد لا يثير غضبا ولا يحدث جلبة، باستثناء هذا العام!

في هذا العام أثار تمزيق بعض طلاب إحدى المدارس لكتبهم الدراسية ضجة كبيرة، ربما لما أعقبه من نتيجة، فبسبب تمزيق الطلاب للكتب، أقيل مدير المدرسة من منصبه، فكانت الضجة!


انصرف اهتمام الناس من مناقشة الحدث نفسه، وهو تمزيق الطلاب للكتب، إلى مناقشة الحدث الذي نجم عنه وهو إقالة مدير المدرسة!

فتمزيق الكتب أمر مألوف بالنسبة لنا، أما إقالة مدير المدرسة بسبب عدم انضباط سلوك طلاب مدرسته، فإنه أمر جديد علينا، لذلك هو يثير فينا الدهشة، وربما أحدث غضبا لدى بعضنا!

لكن السؤال الأهم الذي يجب أن يشغل أذهاننا جميعا هو: لماذا يمزق الطلاب كتبهم الدراسية؟ ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟

إن من يتأمل تعبيراتهم وهم يطوحون بها، يلاحظ الفرح والابتهاج يرتسم على وجوههم وتنطق به أصواتهم، فهم سعيدون بتمزيق كتبهم، فما الذي يسعدهم في ذلك؟

إن هذا السؤال هو ما يجب أن يشغل أذهاننا جميعا بدءا من وزير التعليم وانتهاء بأصغر معلم في المدرسة.

فالابتهاج بتمزيق الكتب يحمل معاني الانتقام منها، يعبر عن فرط الكراهية لها، فلم يكره أولئك الطلاب كتبهم الدراسية إلى حد التلذذ بتمزيقها؟

إن الأطفال لا يمزقون صورا جميلة تعجبهم، ولا يمزقون قصصا مشوقة تجذبهم، بل إنهم لا يمزقون ما كان مسالما لا يثير في نفوسهم أذى وألما، هم يمزقون ما يرهقهم، ما يخيفهم، ما ينفرهم، ما يغضبهم، التمزيق هو وسيلتهم للتعبير عن استيائهم من معاناتهم مع محتوى تلك الكتب طيلة شهور العام الدراسي.

قبل أن نلوم الطلاب أو نلوم معلميهم، ليتنا نلقي نظرة على محتوى كتبهم، فنتأمل كم هو ثقيل وجامد وبعيد عن واقع حياتهم، وكيف أنه يخلو من الجمال ومن الجاذبية، ومع ثقله وعدم جاذبيته، مطلوب منهم حفظ ما فيه، فيظل الصغار يعانون الأمرّين قبل أن يتمكنوا من حشو ما في الكتاب داخل ذاكرتهم، حتى إذا ما أنهوا اختباراتهم، تنفسوا الصعداء وتراكضوا إلى تمزيق الكتب، كمن يبادر إلى تقيؤ مادة سامة ابتلعها بغير إرادة منه.

قد يقول بعض الناس، إن الطلاب لم يلقنوا احترام الكتاب وحبه ولذلك هم يمزقونه، لكن من يقول هذا الكلام يغفل عن إدراك حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي أن الحب لا يتولد في القلب بالتلقين، لا يمكنك أن تطلب من الطالب أن يحب الكتاب فيحبه، الحب يولد تلقائيا في النفوس عندما توجد العوامل التي تعين على ولادته.

واجبنا، الذي لم نؤده كما يجب، أن نعين أولادنا على حب الكتب عبر تحسين محتواها، وجعل تعلم ما فيها متعة تسعدهم، لا مشقة تخنقهم.

azman3075@gmail.com