-A +A
مي خالد
Mayk_O_O@

هناك حكاية طريفة لبني حميدة إحدى قبائل الأردن البدو. في القرن التاسع عشر، يقال إن أحدهم وجد حجرا بازلتيا منقوشا عليه رسومات غريبة لم يفهمها. فأخذه للقبيلة ليريه رجالها. الذين هم بدورهم لم يعرفوا ما هو هذا الحجر الغريب فأهملوه وتلاعب به صبيانهم لحين صادف حضور رجل دين مسيحي مبشّر رأى الحجر لدى البدو وعرف أنه نقش قديم لكنه لم يتصور أن عمره ثلاثة آلاف سنة. وعاد للقدس وأخبر جماعته وانتشر الخبر في القنصليات الفرنسية والألمانية والبريطانية في القدس وتنافسوا فيما بينهم للحصول على النقش فأرسلوا من يعرض على بني حميدة مبالغ ضخمة لشراء الحجر. لكن رجلا جشعا وأبلهَ من القبيلة اقترح أن يكسروا الحجر ويروا ماذا يوجد بداخله جعل «الخواجات» يتنافسون للحصول عليه. وتصور رجال القبيلة أن داخل الحجر ذهبا أو كنزا. وقاموا بإذابته على النار وصبوا فوقه ماءً باردًا -هذه هي الطريقة المعروفة في القرن التاسع عشر لتكسير حجر البازلت- وفعلا تهشم الحجر وضاع ثلث النقش المكتوب لكنهم بالطبع لم يجدوا ذهبًا داخل الحجر أو كنزًا!!


اليوم نجد حجر الملك ميشع مرممًا على أحد أرفف متحف اللوفر.

أما البدوي الجشع الساذج فمازال لدينا منه الكثير. إنه يذكرني بهواة الميديا من مؤرخي السناب شات الذين تتلقفهم القنوات الفضائية. ويظهرون لنا على الشاشة وقد كتب تحت أسمائهم «باحث في اللغات القديمة»، بينما تخصصهم في الواقع علوم الحاسب أو الإدارة أو الأدب الإنجليزي، ولم يلمس أحدهم بيده نقشًا واحدًا أو ينقّب عن حضارة سابقة تحت رمال الصحراء. ولو قطعت عنه الإنترنت وبالذات محرك قوقل لم يكن ليعرف جوابًا على مسألة. ومن صفات هؤلاء الهواة أنهم يعيدون كل شيء عربي وإسلامي بدءًا من القرآن الكريم إلى أصول يهودية وسريانية وفرعونية لاوين أعناق النصوص بكل وثوقية ومزورين بعض الكلمات للحصول على معنى.

نحن لسنا مع تقديس التاريخ ولا نرفض إعادة تأويله أو شرح معاني كلمات القرآن وفق معطيات العصر والكشوفات الحديثة. لكن ليس بهذا الحماس الأعمى على غير منهج علمي أو بينة مثلما يفعل بعض أنصار الإعجاز العلمي في القرآن.

وللأسف أن مشروعهم يتقاطع كثيرا مع مشروع يوسف زيدان الذي ليس آخر أطروحاته وصف صلاح الدين الأيوبي بأحقر الشخصيات!، مما أبهج كتّابا إسرائيليين وأكدوا على أن القدس لهم تاريخيا وصلاح الدين الأيوبي معتدٍ حقير. وهؤلاء سيبتهجون أكثر لو اطلعوا على مقولات الذين ينادون بالتسامح مع الإرث الإسرائيلي. والزعم أن لهم وطنا في الجزيرة العربية.

فليس من الصدف أن نقش الملك ميشع الذي كسره بنو حميدة ورد فيه أول ذكر في التاريخ لبني إسرائيل حيث أخرجهم الملك ميشع من المملكة المؤابية ودحرهم عن الضفة الغربية.

ومؤرخونا يدخلون إسرائيل إلى جبال عسير وجبل اللوز في تبوك ويجعلون لهم وطنا في وطننا. وهذه مسألة خطيرة يجب التصدي لها من المتخصصين.

May_khaled@hotmail.com