-A +A
طارق فدعق
الشعور بالقرف هو من أفضل وسائل الدفاع عن الصحة، فدون هذه النعمة الدفاعية لن نستطيع أن نتفادى المهددات التي يمكن أن تنغص علينا حياتنا. وفضلا لا تكمل المقال إن لم تكن لديك قوة احتمال لتحمل وصف بعض الأمور غير المحببة التي سأذكرها. وسأبدأ بذكر أن جسم الإنسان يحتوي على أكثر من ستمئة عضلة كل منها تؤدي عملا مهما لحياتنا. وأغربها هي عضلة القرف. اسمها طويل جدا وصعب وممكن ترجمته من اللاتينية كالتالي: «رافعة الشفاه العليا الخارجية على جناح الأنف» levator labii superioris alaeque nasi وهذا الاسم هو الأطول بين جميع العضلات، وبالمناسبة فلو قارنت طول الاسم بحروف بنط 14 فستجد أنه أطول من العضلة نفسها. وبصراحة هذه العضلة عزيزة عليَّ جدا لأن القرف وسيلة دفاعية كما ذكرت أعلاه، ودونها ستتدهور صحة الإنسان. قبل أن أبدأ هذا المقال قرأت إحدى المقالات العلمية المرعبة. كتبته سيدة جزائرية رائعة.. وتحديدا هي البروفيسورة «ليديا بوريبه» أستاذة الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT في الولايات المتحدة، الذي يعتبر أفضل جامعة في مجال الهندسة في العالم. وجانب الرعب هو أن الأبحاث التي تجريها هذه العالمة هو في مجال طيران القطرات الصغيرة جدا.. الرذاذ.. وتحديدا رذاذ القرف. اكتشفت أن الرذاذ الصادر عن العطس يكون سحابة تتحرك إلى الأمام بسرعة عالية كما يعلم الجميع. ولكن الجديد في الموضوع أن السحابة تتحرك أيضا إلى الأعلى بسرعة عالية ولا تفقد كثافتها. ولنتوقف هنا للحظة تأمل لها علاقة بتصميم أجهزة التكييف بداخل المباني من فنادق، ومكاتب، ومستشفيات. كلها تسحب الهواء إلى الأعلى.. يعني ولا مؤاخذة تشفط سحب ناتج الرشح والسعال وتعيده إلينا... طبعا بداخل الطائرات تصبح المسألة عويصة جدا لأن كمية الهواء الذي يعاد تدويره كبيرة جدا.. شاملة سحب رذاذ الرشح. وللمعلومية فقطرات العطس الصغيرة جدا تستطيع الطيران بحرية لأنها تتشعبط على جزيئات الهواء بطرق تشبه تعلق جزيئات الماء في السحب التي نراها كل يوم معلقة في السماء.. والآن سأنتقل بكم إلى الجزء المخيف في الموضوع وهو السحب الخفية في دورات المياه. بالرغم من أن السباكة الحديثة هي إحدى أفضل النعم على البشرية، إلا أن هناك جوانب مرعبة في الموضوع. مع كل جرة «سيفون» أعزكم الله، تتكون فوارق في ضغط الهواء بسبب حركة المياه النشطة. ويولد ذلك ظروف طيران للقطرات الصغيرة جدا تشبه موضوع سحابة العطس أعلاه. وكل هذا مسجل علميا وتم وصفه بمعادلات رياضية دقيقة لطيران واتجاهات حركة قطرات المياه المتناهية الصغر. تخيل ملايين السيفونات التي تبدأ نشاطها في الصباح الباكر، وكل منها يخرج هذه المخرجات الخبيثة التي لا نراها.

أمنيــــة


بصراحة هناك ما هو أسوأ من كل ما ذكر أعلاه، فقد رأينا خلال السنوات الماضية قسوة على الإنسان العربي وعلى المكاسب الحضارية العربية ما يفوق الخيال ويجعل عضلة القرف متصلبة من كثرة الاشمئزاز. أتمنى أن تنتهي هذه المهزلة الإنسانية المقرفة في عالمنا. وأدعو الله أن يرفع الظلم عن الغلابى والمظلومين.

وهو من وراء القصد.