-A +A
حمود أبو طالب
في بداية الترحيب بكم يا فخامة الرئيس، نود إطلاعكم على حادثة طريفة حصلت في إحدى المدن السعودية عندما تم إعلان زيارتكم للمملكة كأول دولة تزورونها بعد تنصيبكم رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فقد رزق أحد الأشخاص البسطاء من الذين لا علاقة لهم بتعقيدات السياسة، ولا يتابع تقارير مراكز الأبحاث السياسية، وبالتأكيد هو لا يتابع الفضائيات التلفزيونية الشهيرة المشغولة بتفاصيل ما يحدث في العالم من كوارث، لكنه عندما سمع بزيارتكم لوطنه قرر أن يسمي مولودته باسم ابنتكم «إيفانكا». ماذا يعني ذلك يا فخامة الرئيس إن لم يكن يعني قمة الاحتفاء بمبادرتكم من القاعدة الشعبية، وذلك له أكثر من دلالة مهمة، تعني فيما تعني أن العلاقة بيننا تتعدى السياسي والمثقف والأكاديمي والإعلامي إلى المواطن العادي البعيد عن كل التفاصيل التي ينشغل بها الآخرون. وحبذا، حبذا يا فخامة الرئيس لو سمح وقتك في زحمة الزيارة بلقاء إيفانكا السعودية لتعرف مدى الاحتفاء العفوي التلقائي بك، وبالبلد الذي تمثله.

فخامة الرئيس:


أنت تمثل دولة الحريات والقانون والتعايش والديموقراطية التي وضع الآباء لها دستوراً عظيما، جعلها نموذجاً استثنائيا للحياة، فما من عرق أو إثنية أو دين إلا وكان له فرصة متساوية للعيش فيها طالما التزم بالوفاء لها والالتزام بقوانينها. الدولة التي استمدت من كل الأديان والثقافات نموذج الحياة، فأوجدت بذلك نمطاً للحياة لا يوجد شبيه له.

وحين تهبط الرياض اليوم يا فخامة الرئيس فأنت تهبط عاصمة دولة لأول وحدة حقيقية وطبيعية في الجزيرة العربية، وفي العالم العربي. وحدة جمعت شتاتاً وخلقت منه وطناً متماسكاً صلباً مترابطاً. لقد كان الملك عبدالعزيز متجاوزاً لكل معادلات الزمن الذي كان يعيش فيه عندما قرر البحث عن شراكات مع دول متحضرة وموثوق بها، وكانت أمريكا خياره وقراره، إيماناً منه بأنها دولة الحضارة والقيم الإنسانية. وكان لقاء الملك عبدالعزيز مع الرئيس فرانكلين روزفلت تدشيناً لعلاقة تاريخية متميزة أثمرت كثيراً من الإيجابيات، لكم ولنا. نحن لا ننسى يا فخامة الرئيس أن معظم الذين أسسوا للنقلة الحضارية التنموية في بلادنا تخرجوا من هارفارد وستانفورد وييل وبرنستون وجورج تاون وإم آي تي وغيرها من جامعات أمريكا المرموقة، بمعنى أن تطورنا وتنميتنا ارتبطت وثيقاً بالعلم الذي تشربناه من بلادكم على أيدي طلائع المبتعثين إليها. والآن يا فخامة الرئيس لدينا أكثر من 100 ألف طالب وطالبة ينتشرون في كل الولايات الأمريكية، يتشربون العلم، ويتعايشون مع المجتمع الأمريكي، لهم جيران وأصدقاء، ولهم ذكريات حميمة عندما يعودون.

فخامة الرئيس:

لا نخفيك بأننا هنا، في العالم العربي، فجعنا كثيراً بأداء السياسة الأمريكية في السنوات الماضية، فعندما بشّر سلفكم أوباما بالديموقراطية والحريات والسلم والسلام والتعايش في زيارته عام 2009 للعالم العربي وخطابه الشهير في جامعة القاهرة، لم نحصد غير الخراب والدمار لأوطان كانت رغم سوء أوضاعها أفضل بكثير مما هي عليه الآن، شاعت الفوضى وسالت الدماء وهاجر الملايين من الأطفال والشيوخ والنساء بحثاً عن ملجأ يحميهم من الرصاص العشوائي والموت المفاجئ. وبدلاً من أن تستحضر أمريكا قيمها الإنسانية راهنت على بديل سيئ جدا، وأطلقت يد دولة لا هم لها سوى إعادة الحضارة الإنسانية إلى عصر البدائية، دولة تعيش تحت سيطرة هلوسات التخلف، وأوهام الغيبيات، لا علاقة لها بتطلعات العالم إلى مستقبل أفضل. كيف بالله يا فخامة الرئيس تراهن أمريكا، دولة المستقبل، على كيان متفسخ يضرب بتفكيره في غياهب الماضي.

فخامة الرئيس:

اليوم أنت تهبط في وطن قرر منذ زمن بعيد أن يسابق الزمن، وقرر منذ زمن قريب أن يتحدى الزمن. وطن أصبح يرى أكثر من ذي قبل، فقرر أن تكون له رؤية. وطن لم يعد يهمه ما تجود به عليه الطبيعة من ثروة، واستبدل بها ثروة العقل في إنسانه. وطن واجه الإرهاب بحزم ولم تعطله المواجهة عن استمراره في مسيرة التنمية. وطن يحتضن أقدس مقدسات المسلمين، لكنه لم يقايض بها في قضية أو يوظفها في مماحكات سياسية. وأنت تعرف يا فخامة الرئيس أن ملكنا الذي يستقبلك اليوم لقبه خادم الحرمين الشريفين، وهذا شرف عظيم تعتز به بلادي وحكامها ومواطنوها.

فخامة الرئيس:

يكفي هذا العالم ما حل به من دمار بسبب الحروب والإرهاب والفوضى. نحن في وطني كنا أول المتضررين من الإرهاب، لكننا واجهناه بحزم وأيضا بإنسانية. وكما حدث في وطني حدث ما هو أسوأ منه في بلاد عربية وغير عربية. الوحوش يا فخامة الرئيس عندما تشتهي الدم لا فرق لديها أين يسيل. لقد سال لديكم كما سال لدينا، وأوجعكم كما أوجعنا. شبابنا وشبابكم وشباب هذا العالم لا بد أن يعيش الحد المعقول من الأمان، وكلنا مسؤولون عن ذلك، ودولتكم العظيمة بقيمها ودستورها مسؤولة أكثر من أي دولة عن هذا الحلم الإنساني.

فخامة الرئيس:

هذه المدينة التي أنت فيها اليوم، الرياض، كانت قبل سنوات قليلة أصغر من أي مدينة بجواركم في واشنطن دي سي، لكنها الآن أكبر بكثير مما كنا نحلم. هي باتساع الأحلام وبمساحة الآمال. هي العاصمة التي تؤمن بقيم التعايش والسلام والاحترام لكل شعوب العالم. هي التي تحب الخير للإنسانية، والخير يحتاج أحيانا إلى القوة كي يتحقق. كن معنا يا فخامة الرئيس داعياً للخير والسلام والوئام، وواقفاً بشجاعة وأمانة وصدق ضد الذين لا هم لهم سوى إعادة البشرية إلى عصور التخلف.

أهلاً بك فخامة الرئيس.

ونتمنى أن تعيد زيارتك ضخ الدفء في عروق علاقة استثنائية بين بلدينا الصديقين، أفسدتها فترة نحاول أن ننساها.

habutalib@hotmail.com