-A +A
عزيزة المانع
غازي القصيبي رحمه الله، كان ماكينة إنتاج لا تتوقف، تلقاه يكتب مقالات في الصحف، وينشر مؤلفات، وينظم القصائد، ويلقي المحاضرات، ويظهر في لقاءات إعلامية، وفي الوقت نفسه يمارس عمله الوظيفي بنجاح!

سأله مرة أحد الصحفيين متعجبا من مقدار ما لديه من عطاء، وكيف يجد وقتا لكل ذلك؟ كان رده جميلا، واقعيا، قال: «خلال ساعة واحدة من الزمن، تستطيع أن تكتب عشرين رسالة، أو أن تقرأ خمسين صفحة، أو أن ترد على عشر مكالمات هاتفية، أو أن تستقبل أربعة زوار. وتستطيع أن تجلس محدقا في الفضاء تشكو عسر الهضم أو قلة النوم أو انخفاض أسعار العملة. أريد أن أقول إني لا أقضي ساعة واحدة من ساعات الصحو أحدق في الفضاء، أو أشكو.»!


هذه هي الحقيقة، أن الذين يشتكون من ضيق الوقت، يفعلون ذلك لأنهم لم يحسنوا التصرف في استثمار رصيدهم من الساعات. فالناس يتساوون في حجم الرصيد من ساعات اليوم، لكنهم يتفاوتون في مقدار ما يستثمرونه منه.

نحن نملك في كل يوم أربعا وعشرين ساعة، إن نحن تدبرنا كيفية استثمارها، وابتعدنا عن تبذير ما نملك من رأسمال زمني في اللاشيء، سنجد أنفسنا أثرياء بالإنجاز والعطاء السخي. لكن كثيرين منا لا يفعلون ذلك، هناك من يبددون ساعات اليوم في لا شيء، ينفقون من رصيدهم الزمني بلا مبالاة، فكم من الوقت يهدر في الانتظار في عيادة الطبيب، أو في المطار، أو في متابعة حوارات تافهة على الواتساب أو على تويتر، أو أمام التلفزيون، أو في قاعات حفلات الأعراس، حتى إذا ما جن عليهم الليل ولم ينجزوا ما أرادوا، ضاقت صدورهم وأخذوا يجأرون بالشكوى من قصر النهار وشح الوقت!

رغم أن السفه في إنفاق الوقت، ثقافة مجتمعية يستقيها الفرد مع ما يستقي من أساليب التنشئة التي تقدم له، إلا أن ذلك ينعكس أثره سلبا على بعض الناس في إحساسهم بالتفاهة وعدم الإنجاز، فيسبب لهم ذلك السخط على أنفسهم وعدم الرضا عنها.

ومن المعروف لدى علماء النفس أن هناك علاقة طردية بين الإنجاز والرضا عن الذات، والشعور بالسعادة، كلما رضي الإنسان عن نفسه اتسع حجم شعوره بالسعادة، فضلا عن أن ملء ساعات اليوم بعمل يحبه الإنسان، يقلل من شعوره بالحزن والقلق والتوتر، فتسترخي أعصابه وتسري في عروقه لذة الراحة.

من الأحاديث المعروفة لكثيرين أن الإنسان يُسأل يوم القيامة عن عمره فيمَ أفناه؟ وما العمر! إلا (دقائق وثواني) كما يقول شوقي. كيف تملأ ما تملكه من تلك الثواني، هو ما يصنع الفرق.

وفي النهاية الأمر بيد الله سبحانه، يضع بركته في الأعمار كما يشاء، فمنها ما ينقضي مثقلا بالعطاء والإنجاز النافع، ومنها ما يمر فارغا هشا كسحابة صيف.