-A +A
عزيزة المانع
يتحدث تاج الدين عبد الحق، الإعلامي الأردني المعروف، في كتابه (أعلام وإعلام)، عما يعاني منه الإعلام العربي من مشكلات وضعف بنيوي واصطباغ بالقوالب الشكلية والنفاق الاجتماعي، ويصف كل ذلك بطريقة واقعية وصادقة، تستوقفك للتأمل فيها.

في أحد مقالات الكتاب يتحدث عن مشكلات الإعلام التي يواجهها مع بعض مؤسسات المجتمع، فتسهم في إضعافه وتشكيل بعض عيوبه.


من هذه المشكلات معاناة الإعلام مع بعض المسؤولين الذين ينظرون إليه (كتشريفاتية)، وظيفته الاحتفاء بهم والإشارة إلى مناقبهم وإنجازاتهم، بل تجميل أخطائهم وتبريرها متى ظهر شيء منها إلى العلن.

وقد انعكست هذه النظرة على تعاملهم مع الظهور للإعلام، فهم لا يعدون ظهورهم للإعلام واجبا عليهم، أو أن من مهام وظيفتهم أن يستجيبوا لتساؤلات الإعلام التي قد ترتفع متى ما وقع خطأ داخل نطاق عملهم. وإنما يعدون ظهورهم للإعلام امتيازا خاصا بهم، إن شاءوا تمتعوا به وإن شاءوا تركوه.

كذلك من المشكلات التي تسهم في إضعاف الإعلام، أن المؤسسات الحكومية في البلاد العربية صارت تلجأ إلى الاستعانة بشركات العلاقات العامة، لتقوم بتغطية أنشطتها وأخبارها، فتفصلها الشركات حسب المقاس الاحتفالي الذي تتوقع أنه يرضي الجهة التي استأجرتها. لكن هذا الأسلوب في الإعداد المسبق لأخبار المؤسسات الحكومية، يتنافى مع ما هو مطلوب منها من التقيد بالشفافية والكشف الواضح عن تفاصيل أعمالها، إضافة إلى أن شركات العلاقات العامة، غالبا تعتمد على كوادر إعلامية غير مؤهلة وغير مدربة، وأقصى ما تقوم به ترجمة حرفية ركيكة ترضي الجهة التي تدفع الثمن.

أما أكبر مشكلة يواجهها الإعلام فهي شغله بالمجاملات والنفاق، والكاتب يعلل ذلك بأن بعض شاغلي الوظائف الكبرى، يشعرون في أعماقهم أن الوظائف التي يشغلونها ما هي إلا «منحة من المسؤول الأعلى، ولم ينالوها بقدراتهم ومؤهلاتهم وخبراتهم، ولذلك هم في سبيل تأكيد اعترافهم بالجميل، يجزلون لذلك المسؤول الثناء المفعم بالنفاق، من خلال الإشارة إلى أن ما أنجز إنما هو بفضل توجيهاته وتعليماته»، حتى وإن كان لا يعلم عنه شيئا.

وشغل الإعلام بالمجاملة والنفاق، يجرد المضمون الإخباري من ذكر أي معلومات أخرى، أو تطرق للسلبيات.

ويحلل الكاتب ظاهرة النفاق في الإعلام العربي، فيرجعها إلى عوامل سياسية اجتماعية اقتصادية، يرى أنها هي التي تغذيه وتعينه على النمو والحياة، ويمثل لذلك بإعلانات الترحيب والتهنئة والتعزية وما شابهها، التي تنشر في الصحف تفيض بالنفاق للمسؤولين، فهذه الإعلانات كما يقول، ما هي إلا أدوات يستعين بها المعلنون للحفاظ على بقائهم، فهم يرون أن عليهم كسب أولئك المسؤولين إلى صفهم، ليكونوا سندا وحماية لهم متى اقتضت الحاجة.

azman3075@gmail.com