-A +A
عزيزة المانع
تتباهى هيئة الترفيه بأن إيرادات برامجها الترفيهية تأتي بأكثر من ضعف ما تنفقه عليها، وأنها بهذا نجحت في تحقيق هدفها الذي يرتكز على الاستثمار في الترفيه.

لكن هذه النظرة الاقتصادية لدى الهيئة أغفلت كل الاعتبارات الأخرى للترفيه وتجاهلتها. فالترفيه ليس اقتصادا فحسب، هو من الحاجات النفسية الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان من حين لآخر، ليريح نفسه المجهدة من ضغوط العمل أو الدراسة أو رعاية الأسرة أو مشكلات الحياة عامة وهمومها التي لا تنتهي، ومن المفترض أن يكون الترفيه متاحا للجميع، تتراوح أشكاله ما بين المجاني والمدفوعة قيمته بمقابل مادي يتدرج من البسيط في حدود إمكانات الطبقة الوسطى، إلى ما هو مرتفع مما لا يقدر عليه سوى الأثرياء.


لكن الهيئة في اندفاعها نحو الاستثمار في الترفيه، وجهت الغالبية العظمى من برامجها للطبقات الثرية القادرة على دفع مقابل مادي عالٍ لها، فركزت على البرامج الأجنبية المرتفعة الثمن، كالفرق الموسيقية والغنائية العالمية المعروفة، وعروض السيرك المشهورة، وكذلك في اختيارها للشخصيات المعروفة التي سينظم لها لقاءات عامة للحديث أمام الجمهور، فقد اختارت النجوم الساطعة في عالم الأدب والإعلام والفن والرياضة وأمثالهم، ممن يتقاضون مبالغ خيالية في مقابل تلك المشاركات، مما يكلف الهيئة إنفاق مبالغ ضخمة للغاية، لكنها في الوقت نفسه تتوقع أن يكون المردود المادي لتلك الفعاليات مدرا لأرباح عالية تحقق لها أهدافها الاقتصادية.

أي أن اهتمام هيئة الترفيه بالاستثمار في الترفيه، طغى على اهتمامها بأن يتوفر الترفيه لكل الناس، الأغنياء والفقراء على السواء، ليستمتع الجميع بحياة أكثر راحة واسترخاء.

الأمر الآخر الذي تجنح الهيئة إلى تحقيقه ضمن خططها القادمة، هو بناء سوقين مركزيين ضخمين في مدينة الرياض، سيتوفر فيهما حدائق وفنادق ومقاهٍ وغيرها مما ينجذب إليه الناس، وهذا يعني جلب مزيد من الزوار للرياض، ومن ثم مزيد من الزحام والاستهلاك للخدمات وأهمها الطرقات والماء والكهرباء والسكن، فيزداد إنهاك الرياض وإرهاقها بكثرة السكان.

ولو أن هذين السوقين أنشئا كل واحد منهما في محافظة تتوسط بين المحافظات وقريبة من مدينة الرياض، لكان في ذلك إحياء للمحافظات وتنشيط للحياة الاقتصادية فيها، كما أن ذلك يشجع أهلها على البقاء فيها، لأن تركز الخدمات والنشاط التجاري في المدن الكبرى، هو الذي يضطر سكان المحافظات إلى هجرها والنزوح بعيدا عنها، مسببين مزيدا من التزاحم في العواصم.

في الوقت نفسه سيتيح ذلك لمدينة الرياض وغيرها من المدن المزدحمة، أن تتنفس الصعداء عند تخفيف الزحام عن كاهلها.

azman3075@gmail.com