عبدالله بن عون
عبدالله بن عون
-A +A
سلطان بن بندر (جدة) SultanBinBandar@
لم يبقَ من رفاقه إلا القليل، ينادمهم الشعر والفصاحة، ويعرفون جيداً معنى كل مصطلحاته التي تصعب على العديد من أبناء هذا الجيل، عبدالله بن عون الشاعر البدوي الأخير الذي يشبه في شعره «الصقر»، وهو الطير الجارح الأكثر حباً في قلبه، والذي قال عنه:

النادر اللي في الهدد ما يثاثي


لا فرّعه راعيه ماهوب لثاث

عباث في زرق الغلب يوم عاثي

كنّه عديمٍ له على الهوش حثاث

مزيج من الحكمة والصبر والتجربة الشعرية الفريدة التي يتمتع بها الشاعر عبدالله بن عون، والتي اكتسبها من بعد تجربة شعرية طويلة، إضافة إلى ما تمنحة تربية الجوارح ورحلات الصيد من تجارب، فضلا عن مرافقة ابن عون ومجالسته لعدد كبير من كبار العوائل الحاكمة في الخليج العربي الذين جاء على رأسهم الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- الذي رافقه ابن عون في سنوات عدة، يقول:

خل اجتماعك بالرجال الحلاحيل

اللي خيار المجتمع مجتمعها

ولا تبدي الشكوى ولو ضامك الحيل

الا على رجل يحس بوجعها

رجل اليا التفت عليك النشابيل

اما شبرها شبر والا ذرعها

ورغم روعة الألفاظ وصعوبة القوافي التي لا تجد على لسان ابن عون إلا سبيلاً سهلاً طيباً ذكره، إلا إنه استطاع بتركيبته العجيبة أن يجعل من قصائده أبياتا تغنى وتسير بها الركبان، وتكون بمثابة أمثال شعبية تعيش داخل أحاديث المجتمع وفي مجالسهم يقول:

يا من لقلب يسج وفيه دولاجه

من هاجس بالضماير قام يدرجها

ماغير اهوجس تقول مضيّع حاجة

اخذ واسند على روحي واهرجها

حتى إعجازه في الوصف في ذات القصيدة في قوله:

عليك ياللي بقلبي كن وهاجه

وهاج نار سنا الغربي يسارجها

ابو ثمان كما الياقوت لعّاجه

كنّ البرد يوم تضحك في مفالجها

وعلى طريقة «السهل الممتنع» التي ابتدعها بن عون وكانت بمثابة خريطة الطريق للعديد من قصائده، اعتاد جمهوره على التلذذ بالكثير من الأبيات الصعبة التي يتشوق لسماعها منه كقوله:

يا راعي الغر العذاب المباهيش

رش الكبود اليابسه وانتعشها

دنّق عليّ وطمن الراس بشويش

واحي العروق الذابله وانتعشها

ولم تخل تلك القصيدة رغم مطلعها الغزلي من التعريج على وصف الصقور كعادة ابن عون في قصائده، إذ يقول فيها أيضاً:

وحش وجاي من بعيد المناطيش

عوق الخريش اللي طياره خرشها

لا قام ياخذ من طرف ريشها ريش

واليا قضى لعبه عليها لكشها

سيامية الغزل ووصف الطير حاضرة في قصائد بن عون التي لم تخل من ذكر الصقور والتعريج عليها، وهذا يجسد مدى تعلق روحه بالصقور التي بلغت ذروتها في قصيدته التي قالها لصقره بعد غيابه عنه نيفاً من الزمن:

يا طير عقبي كن خاطرك شاين

خاطرك شين وغيبتي عنك يومين

النقص فيك مبينن له بواين

في لمعة الريشة وفي ناظر العين

ويلمس المتابع لمسيرة عبدالله بن عون الشعرية قوة السبك وإجادة أعسر القوافي وأسهلها، وتولعه بالمساجلات الشعرية، وذكاءه المفرط في استفزاز الشعراء للرد، كمساجلاته مع الشعراء غازي بن عون، وسعد بن جدلان، وغيرهم من أبناء جيله الذين عاصروه.