-A +A
نجيب يماني
يقول الحق (ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات). والبيّنات هي الأدلة الواضحة وعرّفها الشاطبي بأنها الهيئات المستحدثة في العبادة بقوله: وأما البدعة الإضافية فهي التي لها شائبات الأولى لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة. والأخرى ليس لها متعلق إلاّ ما للبدعة الحقيقية فلما كان العمل الذي لـه شائبات لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية وهي (البدعة الإضافية) أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سُنّة لأنها مستندة إلى دليل. وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل. بمعنى أن هناك عملاً مشروعاً ولكن صاحبه قيّده بتقييد زماني أو مكاني أو عددي أو جاء على كيفية ما، فالدليل من جهة الأصل قائم ومن جهة هذه التقييدات أو الكيفيات لم يقم فلهذا يمنع سداً لذريعة الفساد أي خشية أن يعتقد أنه منه أو أن فعله سُنّة أو واجب إذا التزم به على الدوام، وقد ذهب مالك إلى منعها. وفي أصول الفقه أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمراً في الجملة فأتى به المكلّف في الجملة كان عمله صحيحاً ولكن إن أتى به على كيفية مخصوصة أو زمان مخصوص ثم التزم ذلك من غير أن يدل الدليل عليه كان هذا ممنوعاً، وفي صحيح البخاري ومسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وهذا يدل على أن كل من أحدث شيئاً ونسبه إلى دين الله ولم يكن له أصل من الدين فهو ضلالة والدين منه بريء. يقول الإمام السبكي في الفتاوى الفقهية (والمطلوب فعله على العموم بفعل لما فيه من العموم لا لكونه مطلوباً بالخصوص وإلا كان بدعة).

روى أبو داود في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه والبغوي في شرح السنة والإمام أحمد في مسنده أن أعرابياً جاء إلى رسول الله يسأله عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم، وورد عن الإمام الغزالي أن المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علته.


ويقول ابن تيمية العلم إما نقل مصدق وإما استدلال محقق. فأعمال رسول الله كافة والتي فيها معنى القربة إلى الله كانت مكشوفة واضحة لنا. ورد في البرهان للجويني قوله ثبت عندنا أن صحب رسول الله كانوا يتحرّون لأنفسهم في القربات ما يصح عنه من فعله، وكانوا إذا اختلفوا في قربة فروى لهم صادق موثوق به عن المصطفى فعلاً كانوا يبتدرونه ابتدارهم بأقواله.

فمن الأمور المستحدثة في العبادة ولم تكن موجودة على زمن رسول الله، إن البعض يكرر العمرة في رمضان معتمداً على حديث (عمرة في رمضان تعادل حجة مع رسول الله) وهو حديث خاص بالسيدة عائشة التي قدمت مكة في حجة الوداع وكانت معذورة شرعاً ولم تتمكن من إدخال العمرة في الحج كما أمر الرسول الناس وعند انتهاء الحج رجع الناس إلى المدينة بحج وعمرة وهي بحج فقط فبكت فأمر الرسول أخاها عبدالرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم لتعتمر وقال لها الرسول مقولته هذه وهو خاص بها دون غيرها، ولو كان التكرار من العبادات لفعلها ابن عباس. إن تكرار العمرة في رمضان يؤدي إلى ازدحام الطواف ومضايقة القادمين مما يؤدي إلى التهلكة وهو من المنهي عنه شرعاً، فالأولى الحفاظ على النفس كما أمر الشرع، ومن الهيئات المستحدثة في العبادة ما نراه من قيام بعض المصلين في المسجد الحرام والمسجد النبوي باستئجار أشخاص مهمتهم حجز أماكن دائمة لهم في الصفوف الأولى، كذلك من الأمور المستحدثة في العبادة قيام الليل في شهر رمضان بالصفة والصورة التي يتم بها أداء هذه العبادة والتي لم يثبت أن رسول الله أو أحداً من صحابته قد أدّاها بهذه الهيئة من تجمعات وميكروفونات وتدافع وتزاحم وتعطيل لمصالح العباد. يتبعها كذلك التطويل في الدعاء وخاصة دعاء ختم القرآن وهو من الأمور المستحدثة وما فيه من سجع ومحسنات لغوية لم يسبقنا إليه أحد من السلف، ومن المستحدثات في هذا الشهر أن بعض النساء يتركن بيوتهن للإقامة في مكة المكرمة يتركن أزواجهن وبيوتهن في بدعة مستحدثة وبهرجة مصطنعة ولو تصدقن بهذه الأموال لكان خيراً لهن.

في بدعة واضحة أن الصلوات الجهرية يصر بعض أئمة المساجد على رفع أصوات الميكروفونات خاصة وأن كل حي يوجد به أكثر من مسجد فلا نسمع إلا صياحاً تختلط فيه الآيات مصرين على أداء الصلوات داخل المساجد والميكروفونات الخارجية تعمل بكل طاقتها الصوتية، رغم التحذير المتكرر لهم. هذه بعض المستحدثات التي تتنافى وطبيعة الإسلام وما شرّعه الله لنا.

يقول الحق: (أم لهم من شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله).