-A +A
محمد الدليمي
قلما حصل شخص في التأريخ المعاصر، سواء أكان أكاديميا أو كاتبا ألقابا كمثل الدكتور عزمي بشارة السياسي الفلسطيني وعضو الكنيست الإسرائيلي الهارب إلى الدوحة كعبة المضيوم كما يحلو لرموز الأخوان أن يلقبوها.

فالرجل تارة يقدم نفسه أستاذا جامعيا وناشطا سياسيا وتارة أخرى مفكر قومي وكاتب سياسي وروائي.. وإلخ من الألقاب والعناوين وربما أخيرها وليس آخرها مديرا لمعهد الدوحة للأبحاث والسياسات ولا نعلم أي لقب سوف يستقر في ضمير عزمي بشارة وتأنس له روحه..


ليس المهم هذا، إنما الأهم ما قام ويقوم به من أدوار مضطربة ومثيرة للجدل كما هي سيرته الشخصية المتقلبة، فعزمي بشارة ابتدأ شيوعيا وتحول إلى قومي عربي خالص في دمشق وصار يقدم نفسه بصورة العروبي الغيور على أمته ويعتبر نفسه جسرا بين فلسطينيي عام 1948م والأمة العربية، كما أنه يُعد زائراً وصديقاً شخصياً للرئيس السوري بشار الأسد قبل أن ينقلب عليه في الدوحة ويقول فيه ما لم يقله مالك في الخمرة، وتم اعتماد أوراقه في قناة الجزيرة الذراع الإعلامية لسياسة الدوحة الخارجية، منظراً للربيع العربي ومفكك أسراره وحامل مفاتيح قطر في كيفية دعم ما سُمي بثورات الربيع العربي الإخواني المدمر عبر إدارته وإشرافه على وسائل إعلام ومواقع إلكترونية عديدة ومنها مجاورته في استديوهات الجزيرة الإخواني الآخر الهارب من لظى القاهرة الشيخ يوسف القرضاوي..

إنها لعبة السياسة التي امتهنتها قطر وبرعت فيها في استخدام الأشخاص وتوظيف قابلياتهم لخدمة أغراضها فحولت بشارة من شيوعي سابق إلى لاعب سيرك تصدح حنجرته بما تشتهي أهواء «الإخوان المسلمون» وأميرها الثائر والذي اعتبر الثورات العربية في أحد تصريحاته وكم الدماء التي سالت خلالها بأنها ثمن ضروري لمخاض لا بد أن يستمر لسنوات.

في حلقة حوارية أظن يتذكرها مشاهدو قناة الجزيرة نسي بشارة ومقدم البرنامج أنفسهم عند فاصل إعلاني، حيث إن المخرج والمنتج لم يقطعا الصوت لتتوضح للمشاهدين كيفية طبخ حلقات الحوار في فضائية الجزيرة، إذ سأل عزمي بشارة محاوره عما ناقشه وكيفية أدائه في الحلقة؟ فطمأنه المذيع ((ممتاز)) وأضاف لقد بيضت صفحة المؤسسة! وهذا أهم شيء طبعا، وقتها كان المذيع وضيفه قد تعرضا للكويتيين والبحرينيين والسوريين.

عزمي بشارة ظاهرة إعلامية عربية ربما لن تتكرر في قرون قادمة من الزمان فالرجل تحول بقدرة قادر من عضو كنيست إسرائيلي ملاحق قضائيا إلى أقرب المقربين لأهل الحكم في الدوحة وأصبح فيلسوف الثورات الفاشلة ومهندس الأفكار لسياسات قطر العصية على الفهم، بل وصل به الحد من الغرور والنرجسية أن يصف أحد الأكاديميين السوريين ممن شغلوا موقعا قياديا في الائتلاف السوري بأنه من صنيعتي.

التقيت مرة بمذيعة عربية تعمل في قناة الجزيرة وسألتها عن الدكتور عزمي فقالت هذا هو الآمر الناهي في توجهات الجزيرة ويحدد الهدف الذي تطلق إليه سهامها فهل هذا صحيح؟ لا أعلم ألا أن ما حظي به الرجل من اهتمام ورعاية وشهرة كبيرة وقرب من بيت الحكم في قطر يثير تساؤلات عدة، فكيف استطاع هذا الرجل من طي المسافات من إسرائيل إلى دوحة العرب بقفزة واحدة؟.

كثيرة هي وقائع التاريخ وسيرة الأشخاص المثيرين تبقى مجهولة وتحتاج لبعض الوقت للحكم عليها وعلى الأدوار الخطيرة التي قاموا بها، وعزمي بشارة واحد من هؤلاء الذين ربما سيكونون من أعظم الكفاءات والمخلصين الذين قدموا خدمات جليلة لدولة قطر أو ربما يشبه من حيث المهمات والنتائج ما قام به أمين ثابت المعروف بـ ((إيلي كوهين في عاصمة الأمويين)) خلال عقد الستينات من القرن الماضي رغم الاختلاف في الشكل والطريقة والمضمون؛ فالأول وصل برضا ودراية وترحيب الحكومة القطرية، أما الثاني فقد انتحل صفات أخرى للتمويه على الحكومة السورية ليكون وحيدا في دمشق وتتدلى رقبته على حبل المشنقة بعد حين في ساحة المرجة، لكن النتيجة بين الاثنين هي واحدة من قصص العرب المؤلمة.

al.dulaimi@hotmail.com