-A +A
عبده خال
مرة وضعت هذا السؤال:

- ألا تشعر بأنك منهك نفسيا؟.


وكلمة إنهاك حينما كنت تسمعها سابقا، تحيلك مباشرة إلى الإنهاك الجسدي، أما الآن عليك أن تتدبر أو تسأل ماذا تقصد بالإنهاك؟.

ووفق قاعدة ثبات البصمة وملازمتها للأشياء، فأرواحنا أصبحت ملطخة ببصمات ما يقال وما يقرأ، حتى ضاقت مساحاتها، وليس ببعيد أن يغشاها السواد التام.

فأوحال الأخبار أصبحت أكثر صعوبة من أوحال الأمطار، تصب عليك من كل جهة -هكذا دون أن تتعمد الذهاب إليها- ففي دقيقة واحدة تهل عليك العشرات، منها المحزن، ومنها المضحك، ومنها المدسوس، ومنها المسيس، ومنها الترويجي، ومنها التحريضي.

كل هذه الأشياء تجرفك مع جريانها، وتعكر مزاجك، والأدهى والأمر منها التعليقات المصاحبة لها، فهي أكثر ضررا على نفسيتك من الأخبار نفسها.. وهذا الوضع يستدعي أن تكون لدى الفرد آلة ضخمة لتصفية الملوثات التي تعلق بحياته، فالضوضاء والتلوث أصبحا يحاصران الأفراد من كل جهة.

لقد تحول الفرد الواحد إلى وزارة إعلام مستقلة ليس لديها حدود أو ضوابط أو إستراتيجية أو أهداف أو رسالة، والمشكلة في هذا البث أن الأخبار تجول محيطنا العام بنفس الأخطاء والسوء، لقد تحول كل منا إلى محطتين: محطة بث سيئة، ومحطة استقبال أسوأ.

ولم يعد هناك مجال للتخلص من أداء هذين الدورين، إذ غدا التلوث الإخباري أكثر ضررا من بقية الملوثات الأخرى التي تصيب الجسد، فالأخبار الملوثة تصيب الروح وتقلل من توهجها، ولها مضار أخرى قد يكون أهمها خلق حالة من البلادة وضمور الهمة وتشكيلك إلى كائن غير مبال.

وإن كانت العودة إلى القرية هي الدعوة التي جابهت الثورة الصناعية في بداية انطلاقها ومع تكشف وحشيتها في التهام إنسانية الإنسان، فإن مثل هذه الدعوة لا يمكن لها أن تجابه طوفان الأخبار الذي حل بنا، إذ لم تعد هناك قرية وأصبح الكون مفتوحا على اتساعه، وكلما اتسع الفضاء فقد الإنسان مقدرته على التوازن وتحول إلى ريشة في مهب الريح لا تستقر حتى وإن رغبت في الاستقرار.

فأين الملجأ من كل هذا؟

وهو سؤال للقراء لكي يفتشوا عن مخرج لما يجدون من رهق إخباري جعل حياتهم أداة توصيل جيدة لمادة رديئة.

ولن أفتي بمفردي في الإجابة لأننا وعلى -ما يبدو- أصبح لكل منا وسيلة نجاة للانعتاق الفردي.