بدر
بدر
-A +A
بدر عبدالعزيز
يمكن القول إن القرون الثلاثة الأولى في الإسلام كانت الفترة الزمنية لتأسيس المذاهب الفقهية، ومنذ ذلك الوقت وحتى وقتنا هذا ظهرت ولا تزال تظهر أمور جديدة ليس في الكتاب ولا السنة نص صريح يدل عليها بعينها، ومن هذه الأمور الصيام لمدة تتجاوز 22 ساعة من أصل 24 في اليوم على حدود الدائرة القطبية الشمالية في «جمهورية آيسلندا» التي يشكل المسلمون فيها نسبة 2% من عدد السكان.

إن الصوم عندما فرض في بداية الأمر، كان وقت الإمساك من حين صلاة العشاء، ثم خفف الله تعالى على الأمة الإسلامية بسبب ما ابتلي به عمر بن الخطاب وصرمة بن أنس رضي الله عنهما وغيرهما من تعب وإجهاد. فتقدير مواقيت الصوم في «جمهورية آيسلندا» يعد اجتهاداً للتخفيف عن ألف مسلم يسكنون تلك البلاد، وقد أقر الرسول عليه الصلاة والسلام اجتهاد معاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن كما روى الدارمي وغيره أنه سأله: «كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء إذا لم تجده في الكتاب والسنة؟» فقال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب الرسول عليه الصلاة والسلام على صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي به رسول الله». وعندما ذكر الرسول عليه السلام رمضان قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له». وقد جاء وجوب التقدير كذلك في حديث الدجال الطويل عندما سأل الصحابة رضوان الله عليهم: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم»، قالوا يارسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا.. اقدروا له قدره» وأحكام الصيام لا تختلف عن أحكام الصلاة كونها من فقه العبادات.


وبما أن مقصد الفقه إنقاذ النفوس من مهلكاتها، وبما أن النقص والعجز والضعف من صفات البشر، ولئلا يقع الصائم في المحظور يجب إدراك أبعاد هذه الحالة بالتفقه في جزئياتها التفصيلية، قال ابن منظور: «والفقه في الأصل: الفهم». والذوق الفقهي السليم هنا يكون بتقدير الصيام في تلك البلاد بما يتناسب مع أقرب بلد معتدل، قال النووي: «وإذا رئي ببلد لزم حكمه البلد القريب» أي الهلال، وقال الشيخ شلتوت: «صيام ثلاث وعشرين ساعة تكليف تأباه الحكمة من أحكم الحاكمين». ولتخفيف الصيام أثره البالغ على نفس المسلم واطمئنانه وتأكيد لحديث إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا للفوز بسعادة الدارين.

Badr.alghamdi.kfsh@hotmail.com