-A +A
محمد الساعد
في العام 1960 قامت جمهورية كوبا، وهي إحدى جمهوريات «الموز» في البحر الكاريبي، باختراق خطير لمنظومة العلاقات الدولية لم يحدث من قبل، كانت مغامرة غير راشدة ارتكبها الرئيس المغرور فيدل كاسترو، الذي ظن لوهلة أنه أبو الحركات الثورية ونصير الشعوب.

خطوة من رجل جاء صدفة لقيادة بلد «متناهي الصغر»، كاد العالم أن يدفع ثمنها غاليا، لولا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاملت بحزم وصرامة مع «دويلة» كوبا، الواقعة في أقصى جنوبها الشرقي وأقرب ما تكون إلى «حذائها».


قام فيدل كاسترو المتهور في علاقاته الدولية، الداعم الرئيس لكل حركات التطرف والإرهاب في ذلك الوقت، بدعوة ألد خصوم واشنطن لإقامة قاعدة عسكرية تحمل صواريخ نووية تسمح بضرب معظم أراضي الولايات المتحدة خلال ثوانٍ، دون أن تتمكن منظومة السلاح النووي الأمريكي من الرد عليها.

يا له من حاكم فاقد للحد الأدنى من الأهلية والمنطق، فكيف تصور أن أمريكا يمكن لها قبول أن تفصلها عن صواريخ موسكو النووية بضعة كيلو مترات، وتصبح رهينة هي وشعبها ومستقبلها لدولة عدوة، ولكاسترو الرجل المخبول الذي ليس له من فهم السياسة شيء.

شعرت الولايات المتحدة الأمريكية، بالطعنة وبمرارة الخيانة، ووجدت أن جارها «كاسترو» ليس سوى «مستولي» على السلطة في بلاده، مهووس ومصاب بجنون العظمة، كاد أن يلحق بكوبا والمنطقة والعالم أزمة ستبيد البشرية جميعا.

فماذا فعلت واشنطن؟

فكرت الولايات المتحدة في مهاجمة كوبا وتدمير قاعدة الصواريخ والتخلص من الخطر فورا، الا أن الرأي حينها استقر على التعامل مع الأزمة، بطريقة تفتيت الخصم قضمة قضمة.

بدأ ذلك بحظر للملاحة في المياه الدولية والمجال الجوي، تلاه حصار اقتصادي وعسكري ومدني استمر لما يزيد على خمسين عاما، ركّع كوبا ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما التخلص من «كاسترو»، والانضمام للمجتمع الدولي، والعمل من خلال منطق الجيرة والدبلوماسية، أو البقاء تحت الحصار الذي حوّل كوبا الى دولة فاشلة محطمة.

كما أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح أبدا بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت بتفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء وإزالة جميع الأسلحة الهجومية منها.

اليوم وبعد 55 عاما من تلك الأزمة تواجه السعودية ما واجهته الولايات المتحدة الأمريكية من خيانة وغدر، فدولة قطر الواقعة في طرف المملكة الشرقي، تحكمها سياسات متهورة غير راشدة، وتضع نفسها في مكانة لا تستحقها وليست لها، لا من حيث الإمكانات، ولا حتى من دبلوماسية الهواة التي تستخدمها.

فلا أموال الغاز، ولا دعم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وقوى التطرف، تمكنها من السيطرة على مستقبل المنطقة، ولا تجعلها مسؤولة عن مستقبل الشعوب، وتوقها للديموقراطية كما تدعي، فلا الدوحة عاصمة للديموقراطية، ولا هي دولة حرية وإنسانية.

كما أن محاولة قطر تعويم إيران سياسيا وإعادتها للصف الدولي، بعدما حوصرت كدولة مارقة تدعم الإرهاب، وبناء علاقات عسكرية واقتصادية على حساب الرياض، وهي ألد خصومها، وأكثرها عداء للأمن العربي والإسلامي، واستدعاء طهران لبناء منظومة صواريخ وبناء قاعة عسكرية بجوار السعودية، سيمكنها من رقبة الرياض كما حاول كاسترو مع واشنطن.

الأزمة الكوبية والقطرية متشابهتان لحد بعيد، فكلاهما كيانان صغيران يجاوران دولتين عملاقتين، وكلتا الدويلتين تآمرتا على جارتيهما، ودعمتا بشكل أو بآخر القوى الراديكالية سواء الإسلامية عبر قطر، أو الشيوعية عبر هافانا.

إضافة إلى أنهما تحالفتا مع خصوم الدولتين المجاورتين لهما، وأقامتا معهما علاقات مخابراتية وعسكرية واقتصادية، تشكل خطورة كبرى على الأمن والاستقرار، وللاستقواء بهما على حساب علاقات الجيرة.

لم يقتنع كاسترو بحجة العالم أن ما فعله كان خطأ لا يغتفر، وأنه جر بلاده لمواجهة كبرى لا يستطيع مواجهتها، بل بقي على مراوغاته، ووعوده الكاذبة، لكن ذلك كله دفع واشنطن للسير قدما في حصار كوبا وتركيعها، وجعلها تنصاع لمشيئة التاريخ، وقدر الكبار.

اليوم الرياض هي أيضا أمام خيارات عديدة، لعلها تختار منها، إغلاق حدودها البرية ومجالها الجوي، وقطع العلاقات الدبلوماسية، ووضع الدوحة أمام حصاد البيدر الذي زرعته ولن تجني منه سوى الشوك والحنظل والحسرات.