حي شهار من الأحياء الراقية في الطائف ذاب اسمه في جنون «المصحة». (عكاظ)
حي شهار من الأحياء الراقية في الطائف ذاب اسمه في جنون «المصحة». (عكاظ)
حي شهار كما بدا في صورة التقطت من مكان عالٍ.
حي شهار كما بدا في صورة التقطت من مكان عالٍ.
-A +A
أميرة المولد (الطائف) amerhalmwlad@
بعيدا عن الآراء الجاهزة وقولبة النص، «الجنون» و«الثراء» اتجاهان متناقضان في «شهار» جنوب الطائف، أحد أرقى الأحياء وأكثرها هدوءا. فالمكان يستبطن تاريخ حقبة زمنية آفلة، اشتهر خلالها بالطبيعة الساحرة ووفرة البساتين الغنية بالفواكه والأودية والروابي الملهمة للشعراء.. وتلاشى ذلك تدريجيا تحت تأثير النمو العمراني الذي اجتاح المكان ليكون مناصفة بين منازل الأثرياء والمصحة النفسية. وعلى الرغم من أن المصحة جزء من المكان، إلا أن المجتمع ما زال ينظر لـ«شهار» بشكل عام كمصحة نفسية.

الحركة التحولية لم تكن الفاصل الزمني للحركة التحولية لـ«شهار» من موضع للطبيعة وملهم للشعراء، ومتنزه للسكان والمصطافين إلى موقع لمصحة نفسية، ثم مقر للطبقة المخملية ومن يحاكيهم. وعلى مر سنوات شهد الحي تطورات وأصبح في ما بعد من أرقى الأحياء بالمحافظة، ويمثل عامل جذب للطبقة المخملية.


وعلى الرغم من أنه أصبح مكتظا بالسكان، إلا أن المتجول داخل الحي لا يلمس أي مظاهر للحياة، ويستشعر هدوءا يعم المكان، وهي سمة الأحياء التي يقطنها الأثرياء وتتصف بالعزلة الاختيارية.

وبحسب بعض السكان الذين تحدثوا إلى «عكاظ»، فإن شهار مازال ملازما للمصحة، وهي أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر «شهار». ويرى هؤلاء أن الصورة التي رسمتها الطبقة المخملية للحي على مدى سنوات لم يكن لها تأثير على المفهوم العام تجاه المكان الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بمصحة نفسية. وبرغم المحاولات لإعادة صياغة فكر المجتمع وتفكيك الصورة النمطية، إلا أن التعريف الضيق مازال يختصر شهار كمصحة «للمجانين»، عند ذكر اسمه دون النظر لوجود منازل الأثرياء.

على استحياء، يقول أحد سكان الحي لـ«عكاظ»: وصف البعض للمكان بأنه «للمجانين» ليس إسقاطا وإنما يعود لتاريخ تشييد أول مصحة نفسية بالسعودية، كما أن ارتباطها الجذري بها مازال يؤرق البعض الذي يرى أن الجنون يتنافى وأبجديات الرقي، بينما يدرك البعض الآخر أنه ليس من السهل الانقلاب على ما هو سائد من مفهوم لدى المجتمع حتى وإن كان من زاوية الحيلولة، لافتا إلى أن البعض عند سؤاله عن مقر سكنه يذكر «شهار» ولكن على استحياء!. وتصف نورة الحي بالهدوء والعزلة الاختيارية والمكان المفضل لعشاق السكون، غير أنه كان وما زال أسير المصحة التي تجاوزت شهرتها شهرة بعض قاطني المكان، خصوصا أن الكثير من الناس لا يؤمن بوجود أمراض نفسية ويصف من يعانون من اضطرابات بالمجانين، حتى سكان الحي عندما لا يروق للبعض من خارج الحي تصرف أحد منهم لا يتردد في القول: «ما عليك شرهة ساكن في شهار»، أو إن حدثت مشادة كلامية بين شخصين يقول للآخر: «مكانك الطبيعي شهار» كاختصار للجنون. وتؤكد نورة أن أحياء شعبية، وأحياء عشوائية، ومخططات سكنية شيدت حديثا يقطنها العامة من الناس أفضل حالا من شهار من ناحية الصيت، لدرجة أن البعض يتمنى أن تنتقل المصحة لمكان آخر لعل وعسى أن تتغير المفاهيم تجاه الحي وسكانه.

لماذا ينزعج الأهالي من «الحي الراقي»؟



ترى نادية وزين وهوازن (من خارج الحي) أن شهار معروف بأنه مكان «المجانين» حتى لو تحول لمقر للأثرياء، بل إن بعض المقيمين من العرب يطلقون عليه كما يشاع في بلدانهم عن المصحات النفسية، فمنهم من يقول مكان «العصفورية» أو «المُرستان»، ومن هنا ندرك أن الحي مهما اختلفت الطبقات والمستويات الاجتماعية أو تعددت المسميات مخملية أو برجوازية أو ألماسية لن تغير مفهوم المجتمع الذي لا يبصر إلا المصحة التي تمثل معلما بارزا للحي والطائف على حد سواء، وأمامها تتهاوى منازل الأثرياء! فيما تقول صباح إن بعض السكان انتقلوا للحي بهدف الوجاهة فاصطدموا بشهرة الجنون التي تزعجهم، وفي اعتقادي ليست مشكلة ارتباطه بالمصحة ويفترض التأقلم مع الوضع، كون التسمية مستدامة، فمنازل الأثرياء والمستوى الاجتماعي ليسا ممحاة لتاريخ شهار.

وتضيف أن قيمة المكان في تاريخه الذي يتحدث عنه، مسترجعة من خلال كتب التاريخ سيرة المكان عندما كان بساتين وروابي وواديا، وكيف تحول إلى ما هو عليه الآن من نهضة عمرانية. كما أنه ليس عيبا ارتباطه بالمصحة التي قد نضطر يوما لدخولها إما للاستشارة أو للعلاج أو لزيارة مريض.

في جانب آخر، يقول عتيق: في الواقع لا يذكر أي شخص مسمى «مستشفى الصحة النفسية» إلا عندما يقرأ اللافتة على بوابة المصحة، حتى سائق التاكسي عندما يطلب أحد منه إيصاله إلى شهار يبادر بالسؤال أين الموقع من مستشفى المجانين، وأعتقد من الصعب أن تقنع الناس بتغيير مفاهيمهم تجاه الحي

عميد الموسيقى تغنّى به.. والاختيار لم يكن صدفة!



من بين ثنايا صفحات التاريخ تبرز سيرة منطقة شهار التي كانت موضعاً معروفاً منذ القدم، خصوصا أن طرفها الشمالي، كان جزءاً من الطائف القديمة داخل السور في العصر الجاهلي. وتواصلت «عكاظ» مع المؤرخ والباحث والأديب حماد السالمي الذي أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات عن محافظة الطائف تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وأدبيا، فأوضح أن شهار من ضواحي الطائف المشهورة منذ القدم، وتقع جنوب المحافظة على الطريق المؤدي إلى غدير البنات، ولها سيرة تعكس العمق التاريخي، ويشير إلى أنها كانت واديا زاخرا ببساتين غنية بأنواع الفواكه والورد، وكانت متنزها لأهل الطائف والمصطافين لقضاء أوقات ممتعة بين الحقول والروابي حيث الطبيعة الساحرة.

وعن المصحة الشهيرة، وما إذا كانت دخيلة على حي الطبقة المخملية كما يروج البعض، أكد المؤرخ السالمي أن المصحة ليست دخيلة على المكان أو حديثة عهد به، وإنما شيدت قبل أن يجتاح العمران شهار، وظل المبنى سنوات عدة في مكان قصي «كنا في الصغر نمر قرب بوابته من الطائف إلى ديرتنا بني سالم، ولم يكن أي أثر للسكان». وعن شهار وطبيعة المكان في السابق، قال السالمي «كانت ذات طبيعة خلابة ملهمة للشعراء والمطربين، وتغنى بها عميد الموسيقى العربية طارق عبدالحكيم، وذكر شهار في الشعر المغنى والنبطي، والشعر الفصيح، فهناك أكثر من شاعر فتنتهم شهار».

ويضيف السالمي صاحب كتاب «المعجم الجغرافي لمحافظة الطائف» أن المصحة بدأت في العام (1382هـ) في الموقع الذي هو عليه اليوم، وكانت تسمى وقتها (مستشفى المجانين)، وهي أول مصحة نفسية بالمملكة، مشيرا إلى أن اختيار الموقع لم يكن صدفة، وإنما تم بعد دراسة مستفيضة لمواقع عدة كما قيل لي من أكثر من مصدر، فكانت شهار أميزها نقاءً، وأجواؤها مناسبة. ولفت السالمي في السياق ذاته، إلى أنه تم تشييد مصحة أخرى للصحة الصدرية في طرف السداد.