-A +A
حمود أبو طالب
في اعتقادي أن هذا المثل من أفضل وأيضا من أردأ الأمثلة. هو من ناحية يصور الواقع المعاش والحقيقة الماثلة بوجهها السيئ، أي أنه من أفضل الأمثلة في التعبير عن نقلها بأمانة، وفي ذات الوقت يبدو أنه قد أرسى نوعاً من الاستسلام والتعايش معها في الذهنية الجمعية ليصبح الأمر طبيعيا من حيث إنك لن تأخذ بعض حقوقك الأصيلة وتسعد بها إلا إذا جاورت شخصا تأتيه أكثر من حقوقه صاغرة راغمة، يزفها له الناس بوجوه هاشة باشة، ناضرة مستبشرة.

سوف نوظف هذا المثال في جانب يعيشه الغالب الأعم منا هو السكن. ولشرح ذلك نقول إن أصحاب الدخل «المشروع» الذين لا تجارة لهم ولا ثراء متوارثا، ومهما كان مرتب الواحد منهم في أي مهنة دون دخل إضافي غير مشروع، إذا أراد أن يمتلك منزلا - بجهده الذاتي بعد نسيان وزارة الإسكان - فإن ذلك لن يتحقق له إلا في أحد الأحياء الجديدة البعيدة نوعا ما. هذه الأحياء رغم بنائها الحديث الجميل المكلف، واتساعها الكبير وكثرة سكانها منذ سنوات ليست قليلة، إلا أنها لا تتوفر لها أبسط وأهم الخدمات. لا مدارس كافية، لا مراكز أمن أو إسعاف، لا إشارات مرور، لا أرصفة أو سفلتة جيدة، لا مراكز صحية، وغير ذلك مما لا يتصوره العقل رغم أنه تم تخطيطها منذ سنوات بعيدة وكل الدوائر الحكومية المعنية تعرف ذلك لكنها لم تحضر عمليا في هذه الأحياء بعد إنشائها.


المنطق يقول إن هذه الأحياء الجديدة يجب أن تكون أفضل من القديمة في كل شيء، والواقع يقول غير ذلك، منطق معكوس ورديء، ومطالبات السكان المتكررة لا أحد يلتفت لها، لكن إذا ما جاور أحد هذه الأحياء أو سكن فيها أحد «السعداء» فسنرى العجب العجاب لناحية كيف تتحقق المعجزات في وقت قياسي ونرى كل الخدمات تتوالى واحدة بعد الأخرى. لكن المشكلة إذا لم يأت هذا السعيد، وحين لا يستطيع مجاورته البسطاء، عندها لا بد من تعليق لوحة على كل شارع: موت يا مواطن حتى تجيك الخدمات.