-A +A
نجيب يماني
ما فتئت المملكة العربية السعودية، بقيادتها الحكيمة، تقدم النموذج والمثال في كل ما تقوم به من تسيير دولاب الحكم بكل سلاسة ويسر، متوخية في ذلك انتخاب أصلب العناصر وأكثرها قدرة، وأقدرها على إنجاز المهام الموكلة إليها، في منظومة الحكم، على اختلاف مراحله، وما تقتضيه كل مرحلة من المراحل، مع تفعيل دور الرقابة والمحاسبة للعناصر المختارة لتحقيق الغاية الكبرى المتمثلة في رفاهية الوطن و المواطن، وتوفير حياة كريمة له تحت مظلة من الأمن والسلام والطمأنينية، وعلى هذه الفرضيات الأساسية درجت القيادة منذ المؤسس على إحداث التغيير بين الفينة والأخرى، بالإحلال والاستبدال، بديناميكية تعبر عن تفعيل لما أشرت إليه، ليبقى هذا التغيير عنصرًا إيجابيًا ومهمًا يشير بوضوح إلى قدرة القيادة على القراءة البصيرة لمتطلبات المرحلة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، خصوصا أننا نعيش في زمن يمور بالفتن الدواهي، والصراعات الكبيرة، بما يتطلب وعيًا وإدراكًا للواقع، وقراءة مستبصرة للمستقبل، وهو عين ما أدركته القيادة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله -، حيث أفسحت المجال أمام العناصر الشابة والتي تكون غالبية النسيج الاجتماعي للمجتمع لتولي المسؤولية، وتسنم مقود القيادة، واعية في ذلك للمتغيرات الكبيرة التي اجتاحت العالم، وفرضت ضرورة تغيير أنماط التفكير القديمة، وأساليب الإدارة السابقة، فكان الشباب العنصر الرائد في سياسة المملكة في حاضرها، ليأتي الفكر الشبابي المستنير والواعي في شخص صاحب السمو الملكي الأمير محمّد بن سلمان، بما طرحه من رؤية المملكة 2030، تلك الرؤية التي كشفت عن عقل راجح، وفكر مستنير، وبصيرة لا تدير السياسة بمنطوق ردة الفعل، ولكن بمفهوم إحداث الفعل نفسه، وعلى هذا فإن القرار السامي بتعيين الأمير محمّد بن سلمان وليًا للعهد، قرار استكمل شروط الحكمة من كل جوانبه، وضرب مثلاً ونموذجًا في معرفة القائد بمواهب وقدرات عناصره الفاعلة والمؤثرة.. فالذي لا خلاف حوله أن الأمير محمّد بن سلمان، قدّم نفسه للساحة المحلية وكذلك العالمية على نحو مميز، وبطريقة لفتت الأنظار إليه، بخاصة فيما طرحه في رؤية المملكة 2030، وما تبعها من فتح لمسارات الاقتصاد السعودي وفك الارتباط الوثيق بالبترول، وتحريك رأس المال السعودي للدخول في شراكات اقتصادية عالمية لها وزنها وثقلها على مستوى التجارة والاقتصاد العالميين، فضلاً عن توثيق العلاقات مع الدول الكبرى على قاعدة المصالح المشتركة، مع تفجير الطاقات الشبابية، وإعطاء المرأة مركزا متقدما، وتحريك مفاصل المجتمع بأجمعه بحيث يصبح فاعلاً ومتفاعلاً بالحركة والنشاط التي تنتظم الدولة في كل أنشطتها وحركتها الدؤوبة، والأهم أن الوطن دخل في دور المحاسبة ومراقبة المسؤول وفك الارتباط بين ما هو خاص وملك عام، فلا غرو إذًا أن يتسنم منصب ولي العهد، فهو على جدارة واستحقاق بهذا المنصب، وما قدمه ويقدمه حاليًا يقف شفعيًا له، وسندًا له في مستقبله.

إن السلاسة والانسيابية التي تمت به عملية تعيين ولاية العهد، تحمل في طيها رسائل عديدة للداخل أولاً ومع الخارج من بعد، فعلى المستوى الداخلي جاء التدافع العفوي لإعلان البيعة للأمير محمد بن سلمان ليؤكد تماسك الجبهة الداخلية، وتفويتًا لفرص تسريب المؤمرات بخاصة من جهات إعلامية نعرفها جيدًا، وندرك أساليبها الخبيثة التي ما إن يحدث مثل هذا التعيين الطبيعي إلا وتذهب إلى نسج الحكايات، وتأليف القصص، وفتح المجال لـ«الحناجر» التي تسيطر على مخارجها «نظرية المؤامرة»، فتشرق وتغرّب، وترسم صورة لا أساس لها من الصحة، ليأتي هذا التدافع العفوي الجميل ليقطع هذه الألسن المأفونة، ويفوت عليها فرصة نثر بذور الفتنة والاضطربات، وبخاصة أن هذه البيعة في نصوعها وكمال أسباب التوافق والموافقة عليها قد جاءت من القيادات الكبيرة، فشاهدنا أن صاحب السمو الملكي الأمير محمّد بن نايف، قد سارع إلى إعلان بيعته قبل أن يستيقظ أصحاب «الظنون» و«الهواجس» حارقاً كل الترهات التي ما فتئت تتنبأ باشتعال نيران الصراع على السلطة والحكم، موئداً أحلام فتنة تراود أعداء الوطن ليقول لهم أنها أضغاث أحلام.


أما على المستوى الخارجي، فإن هذا التعيين يبعث رسالة واضحة بأن المملكة ماضية في تمكين الشباب، ومستقبلة العالم بفكر جديد، وروح متوثبة، وقودها الطاقات الشبابية، ومرتكزها حكمة الشيوخ، في تواصل وانسجام تامين، لتبقى المملكة بهذه الرؤية حافظة لعلاقتها الدولية وفق المصالح المشتركة، وماضية مع الدول الصديقة والشقيقة في تمتين أوصار المحبة، وتحقيق السلام والأمن للعالم، متحدة مع العالم أجمع في نبذ الإرهاب، وتجفيف منابعه، ومحاربة الدول الراعية لمحاضنه.

إننا إذ نبايع الأمير محمّد بن سلمان، وليًا للعهد، بيعة صدق وشرف، فإننا لا ننسى في المقابل أن نزجي أسمى آيات الشكر والعرفان للأمير محمّد بن نايف، الذي أبلى بلاء حسنًا في قمع الإرهاب، ومحاربة الفكر المنحرف والتطرف والغلو، وقدمت وزارة الداخلية في عهده النموذج الأمثل في ذلك، حتى غدت تجربة المملكة في محاربة الإرهاب والتطرف المثال الذي تحتذيه كثير من الدول من حولنا، فهي كلمة صدق في حق رجل نكن له كل الحب و الاحترام والتقدير، ونجدد الولاء والبيعة لقيادتنا الرشيدة وهي تمضي بسفينتنا إلى بر الأمان في عالم تموج وتضطرب به أمواج الفتن والصراعات، وعشت يا وطن.

nyamanie@hotmail.com