إبراهيم حلواني
إبراهيم حلواني
-A +A
إبراهيم حلواني
ibra2915@

«آهٍ يا رمضان يا لك من ضيف عجول».


قالتها أشجان وهي ترمق تآكل القمر بنظرات الثكالى.

هي عادة اكتسبتها من والدتها..

كل ليلةٍ كانتا ترقيان سطح منزلهما القديم لترصدا تناقص هلال الشهر الكريم.

تتجادلان أحياناً حول ما إذا كانت بداية الصوم قد أُعلنت بالخطأ..

أفول رمضان أصبح مقروناً لديها بفكرة الميلاد والوفاة..

«بروجيريا»..

مفردة يونانية.. قرأت عنها أشجان يوماً، وتمتمت:

«يا للإغريق إنهم يعرفون كل شيء»..

شيخوخة مبكرة.. هكذا معناها

رمضان.

حبيب المسلمين..

تحيا بحضوره أنقاض القلوب الخامدة..

ولكنه.. شهرٌ يشيخ طفلاً..

يحضر هلالاً.. ويمضي سريعاً كما أطل.. هلالاً أيضاً.

يُولد بعد مخاضٍ الرؤية المتعسر..

وعلى أعتاب نهاية الليلة التاسعة والعشرين.. يحتضر..

وقد يتوفى عندها.

أو تُكتب له حياة جديدة ليلةً أخرى.

واحدة.. لا أكثر..

جاهدت أشجان لتطرد فكرة «الموت ورمضان» التي لا تبارح منذ عامين مخيلتها.

توضأت لصلاة العشاء.. والقيام..

التقطت سجادتها من «صندوق العبادة».. كما تسميه..

سجادة بعينها.

لا تصلي إلا عليها..

ولا تشعر بروحانية الابتهال إلا..

عندما تمطر دموعها على زغب صوفها الأخضر.

أنسام والدتها ما زالت تشمها كلما احتضن رأسها موضع السجود..

أطيابٌ تملأ الركن الذي اعتادت والدتها الصلاة فيه كلما زارتها..

سجادتها.. هي كل ما تبقى من تقواها.

عامان قاتمان مرّا ثقيلين.. منذ توفيت توأم عمرها.

ما زال طيفها برداء صلاتها يركع ويسجد أمامها..

وكأن الأرواح.. لا تغادرنا أصلاً.

من جديد.. فكرة الموت ورمضان..

نسرٌ يحلق فوق رأسها.. منذ وفاة أمها..

هي تعلم أنه شهرٌ يُبعث من رقدته كل عام.

ويجيء إلينا مهيباً كل مرة بحلته الزاهية..

ولكن المؤلم.. واليقين.

أن أجساد الأحبة إذا غادرتنا..

لا تعود.