-A +A
عزيزة المانع
من عاداتنا الاجتماعية الاحتفال بالمناسبات السعيدة بإقامة الولائم، فترانا نولم في كل مناسبة تفرحنا، كسكنى بيت جديد، أو نيل ترقية في العمل، أو تحقيق درجة علمية نطمح إليها، أو عند الزواج أو ولادة مولود أو غير ذلك من المناسبات السعيدة، التي لا نعرف وسيلة للتعبير عن سعادتنا بها أفضل من إقامة وليمة ندعو إليها أصدقاءنا وأقاربنا.

ولأن الطبيعة البشرية واحدة، فإن الاحتفال بالمناسبات السعيدة عن طريق إقامة الولائم تعبيرا عن الفرح، ظل عادة عامة مشتركة بين كل الشعوب، في مختلف بقاع الأرض، عبر العصور المختلفة. يوم أمس عثرت على كتاب صغير لمؤلف عراقي اسمه فاضل جابر ضاحي، عنوانه (الولائم في دولة المماليك). وفيه حديث مفصل عن الولائم التي كانت تقام في عصر المماليك ما بين القرن السابع والعاشر للهجرة. والكتاب يذكر نوعين من الولائم ازدهرا في ذلك العصر، أحدهما الولائم السياسية، التي كانت تقام لتحقيق غاية سياسية معينة. والآخر، الولائم الاجتماعية، التي كانت تقام للتعبير عن الابتهاج بحدث معين كالشفاء من المرض أو الزواج أو ولادة مولود أو الختان أو سكنى منزل جديد أو الانتهاء من تأليف كتاب، أو لمجرد إطعام بعض الفقراء ممن لا يجدون ما يطعمون.


إن كانت الولائم الاجتماعية التي حفل بها العصر المملوكي لا تلفت النظر، على كثرتها وتنوع أغراضها، فإن الولائم السياسية ليست كذلك، فقد كان من أبرز سمات ذلك العصر، كثرة المتنافسين على السلطة، وحدة الصراع الدموي فيما بينهم، فاستغل المتصارعون الولائم لتوظيفها توظيفا سياسيا يحققون عن طريقها أغراضهم السياسية. وبذلك خرجت الولائم عن أن تكون مجرد وسيلة تعبير عن السرور بحدث ما ودخلت دائرة جديدة جعلت لها دورا مشهودا في كثير من شؤون السياسة في ذلك العصر.

حين وظف المماليك الولائم لتحقيق أغراضهم السياسية، كان بعض تلك الوظائف مقبولا، مثل ولائم التملق، التي كانت تقام من أجل كسب الولاء والمداهنة واتقاء شر المعارضين. ومثل ولائم المصالحة وإنهاء الخصومات، وولائم تكريم الساسة الزائرين، وولائم الاحتفال بتسلم السلطة.

لكن بعض الوظائف الأخرى للوليمة، لم يكن مقبولا على الإطلاق، فقد كانت توظف لأغراض دنيئة كالاعتقالات وتصفية الحسابات السياسية والقضاء على الخصوم والمنافسين، وكان أبشعها على الإطلاق، توظيف الوليمة في تنفيذ عمليات الغدر والخداع عن طريق تسميم الآكلين، أو تجميع الخصوم والمناوئين ثم الغدر بهم بسفك دمهم جماعيا.